انتخاب البابا الجديد جعلنا نتذكر أن الجزائر كانت في العصور السابقة، وقبل وصول الإسلام، أرضًا مسيحية.
بقلم نور الدين بوكروح
مع التصريحات العلنية للسيد بلغيت، المبطل للأمازيغية، وللسيدة حنون، الرافضة للعروبة، غاصت الجزائر من جديد في الجدل المزمن حول أصولها (البربرية الأمازيغية)، ولغاتها (العربية الفصحى، والتمازيغت الدارجة، والفرنسية التي توصف بـ”غنيمة حرب” ويبدو أن البعض يريد إعادتها إلى فرنسا). ومنذ اليوم، يضاف إلى هذا الجدل بُعد آخر، وهو الجانب المخفي من تاريخنا: الفترة المسيحية.
إن انتخاب البابا الجديد جعلنا نتذكر أن الجزائر كانت في العصور السابقة، وقبل وصول الإسلام، أرضًا مسيحية.
نعم! فقد قدمت للكنيسة الكاثوليكية اللاتينية شخصيات تاريخية كبيرة، كـالقديس أوغسطين (354-430م) أسقف بون (عنابة)، وأوبطات دو ميلاف (341-397م) أسقف ميلة (مسقط رأسي). كان أوغسطين يستمد أفكاره من فكر أوبطات، وقد صرح البابا الجديد في كلماته الأولى أنه يعتبر نفسه “ابنًا لأوغسطين”.
في عام 2001، قدم من أصبح اليوم بابا إلى الجزائر لحضور ندوة دولية حول أوغسطين. وقد أعقبت هذه الندوة أخرى في ريميني بإيطاليا، وقد تشرفت بالمشاركة فيها وتقديم مداخلة باسم الرئيس بوتفليقة، الذي كلفني بأن أكون ممثله الشخصي في هذا المؤتمر. في عام 2023، تم ترسيمه (البابا المنتخب روبرت فرنسيس بريفوست) ككاردينال على سانتا مونيكا (القديسة مونيكا)، وهي والدة أوغسطين.
كانت سانتا مونيكا (332-387م) امرأة بربرية، وزوجها كان بربريًا أيضًا. وقد جرى منحها لقب القداسة في عام 1285م. وفيما أعلم، فهذا هو الحال الوحيد – ماعدا مريم أم سيدنا عيسى عليه السلام – الذي جرى فيه تقديس رجل ديني وأمه.
والأجمل من ذلك أن نتعرف على أن أسلافنا القدماء، الذين عاشوا في العهد الروماني والبيزنطي، كانوا يعتنقون المسيحية، وليس الوثنية، فالمسيحية، كما اليهودية، تشترك مع الإسلام في انتمائها لـ”أهل الكتاب”. وعليه، فليس في هذا الأمر ما يعد تجريحًا، بل هو فخر للجزائر أنها كانت مسيحية طوال سبعة قرون قبل ظهور الإسلام، أفضل من لو أنها توصف بالوثنية أو بعبادة الشمس.
في المجمع الكاثوليكي للكرادلة المكون من 133 شخصًا، والذين اجتمعوا في الفاتيكان لاختيار البابا الـ267، كان منهم كاردينال جزائري يُدعى جان-بول ڤيسكو، وقد تردد اسمه في الصحافة كمرشح جدي. فماذا كان سيكون شعورنا في الجزائر لو أنه اختير زعيمًا للكنيسة الكاثوليكية أكبر مجموعة دينية في العالم؟
في خلال القرون الخمسة الأولى من تاريخ المسيحية، تولى ثلاثة أفارقة من شمال القارة منصب البابا، أولهم بربري يُدعى فيكتور الأول (189-199م). وعليه، فلا يُستبعد أن يصل يومًا ما جزائري آخر إلى هذه الرئاسة.
هل سنكون على مستوى حدث مثل هذا؟
*كاتب ووزير جزائري سابق