يُذكَر أن محمد بنجلون، الذي أسس نادي الوداد الرياضي سنة 1937 بداية من فرع كرة الماء والسباحة، إلى فرع كرة القدم سنة 1939.
*يونس الخراشي
لطالما نُعِتَ الراحل محمد بنجلون بـ”شكولا”. وقد كان الرجل بالفعل حلواً. ويزرع الحلاوة أينما حلَّ وارتحل. أحب الحياة، ونهض بأعبائها منذ شبابه الأول. ووقفَ يناضل من أجل بلده، وشباب بلده. إلى أن وافاه الأجل المحتوم يوم 20 يونيو 1997.
يُذكَر أن محمد بنجلون، الذي أسس نادي الوداد الرياضي سنة 1937 بداية من فرع كرة الماء والسباحة، إلى فرع كرة القدم سنة 1939، كان قد نادى بالصيام لمواجهة الظهير البربري الاستعماري، فعوقب من لدن الإدارة بالإبعاد من المعهد الذي كان يدرس به.
غير أن شخصاً دينامياً، ووطنياً، وطموحاً، وذا رؤية استشرافية، مثل محمد بنجلون لم يكن لينتهي إلى اليأس، وبالتالي إلى تغيير كل شيء بحياة أقل توقداً. فالعكس تماماً هو ما حدث، ذلك أن الرجل عاد يبحث عن شيء جديد يتيح له مواصلة النضال، ولم يجد غير تأسيس جمعية رياضية، مع ثلة من الرجالات الآخرين، ضمنهم بعض أهله المقرَّبين، ستُسمى نادي الوداد الرياضي.
ولأن “الرجال كتتلاقى”، فقد وجد بنجلون في صديقه الحميم، اللاعب السابق لكرة القدم، محمد بلحسن العفاني التونسي، الشهير بـ”الجيكو”، من يتحمل معه كل الأعباء. فأصبح المولود الجديد سلاحهما، وسلاح الكثيرين، لإزعاج الإقامة العامة، وما تمثله على الأرض من غطرسةٍ وجورٍ، بأن صار الوداد ينافس على الألقاب، ويغلب، ويُتّوج أيضاً، ويُغيظ فرنسا الاستعمارية.
ولم يكن بنجلون، أو “شكولا”، كما ظل يُنادى بين المقربين منه، بدعاً على الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص. ذلك أنه مارس أغلب الأنواع الرياضية، من الكرة إلى ألعاب القوى والسباحة وكرة وكرة اليد. بمعنى أنه كان عارفا بخبايا للرياضة، وكان طبيعياً أن ينجح فيها مسيراً بعد أن نجح فيها لاعِباً ومنافساً.
الدليل على ذلك أن “شكولا”، الذي كان أشهر من نار على علم في الرياضة المغربية طيلة فترة الحماية، سيصبح عضواً بارزاً في اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية حال استقلال المغرب سنة 1956 (سنة تأسيس اللجنة الأولمبية المغربية)، ثم سيُعهد إليه برئاستها، لدرجة أن الرجل الفذ سيصبح أيضاً عضواً في المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الدولية، وبالتالي أحد صناع القرار الأولمبي العالمي. كما ستُسند إليه مسؤولية مدير دورة الألعاب العربية في السنة نفسها، بل وأصبح عضواً في لجنة المساعدة الأولمبية (1962 – 1963)، فمثَّل المغرب في اللجنة الثقافية للجنة الأولمبية الدولية (1989 – 1990).
اليوم، سيجد كل قارئ للتاريخ الرياضي المغربي الحديث (أي بداية من الحماية وإلى اليوم) نفسه منبهرا بالأسطر الكثيرة والمتتالية التي تتحدث عن منجزات الراحل “شكولا”، سواء في الوداد الرياضي، أو مع الفرق الأخرى، أو في الجامعات، أو في تأسيس بعضهت، كالجامعة الملكية المغربية للريكبي، أو في التأسيس لوزارة الشباب والرياضة قبل أن تكون الوزارة، أو في النضال الجمعوي، أو في العمل الإنساني، وطنياً ودولياً.
وسيتساءل القارئ لهذا التاريخ عن شيء واحد: “من أين كان لهذا الرجل كل هذا الجهد؟ ومن أين كان له كل ذلك الوقت؟ وكيف استطاع أن يحظى بالإجماع حتى يتسنى له العمل بسلاسة، وبدعم من الآخرين، وبحب منهم؟”. وسيوقن أن أشياء كثيرة ما تزال تحتاج إلى البحث عنها لمعرفة المزيد عن الرجل.
ويكفي أن ابنه الراحل شاكر بنجلون، الذي كان مؤتمناً على أرشيفه، وجزء من تاريخه، في البيت العتيق بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، كان يقول عنه باستمرار إنه رجل استثنائي: “لم يكن يبغض أحداً، وسيستغرب من لا يعرفونه أنه ساهم في تأسيس أندية أخرى مثلما أسس الوداد، لأنه كان يرى بأن الوطن أكبر من أي انتماء آخر. هذا هو محمد بنجلون. وطنه هو بيته وأرضه وسماؤه رحمه الله”.
ليس هذا هو بنجلون. هذه فقط عناوين من مسيرة كبيرة لرجل بارز من رجالات الوطنية والرياضة المغربية، كان صاحب خبرة طويلة، ومراس قوي، ورؤية بعيدة المدى، وكان قلباً كبيراً، وصدر متسع، وأيادٍ بيضاء على الجميع. وكان أسمر البشرة، بلون تراب الوطن. فاستحق أن يُنادى “شكولا”. الرجل الحلو والاستثنائي.
*كاتب -صحفي /14 يوليوز 2021