أهدى بنكيران للنظام الجزائري وجوقته الإعلامية طبقا دسما، ملؤه الشماتة والتشفي، ووشحه بعنوان: “زعيم حزب مغربي كبير يهين رئيس فرنسا… حليف المغرب في قضية الصحراء!”.

*نعيمة لحروري

لم يكن ما قاله عبد الإله بنكيران مجرد زلة لسان. كان حفرا خشنا في جدار الرصانة السياسية. 

فالرجل، الذي ما زال يعتقد أن القاموس السياسي يحتاج كثيراً من “ملح الشعبوية”، قرر أن يخرج عن كل قواعد الخطاب، وأن يصوب سهامه نحو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعبارة  لا تقال في حديث رجال دولة، بل تصلح بالكاد ليتبادلها مراهقان على حائط فيسبوك بعد شجار حول كرة القدم!.

“راك مدلول”، هكذا أطلقها بنكيران وكأنه يتحدث إلى خصم شخصي لا إلى رئيس دولة تعد من أقرب شركاء المغرب، بل وأكثرهم وضوحا في دعم مغربية الصحراء.

جملة قصيرة، لكنها كشفت عن شيء أطول بكثير: أزمة خطاب.

خطاب فقد نبرته الهادئة، مضمونه السياسي، وحتى هندامه اللغوي. فمنذ متى كان الانفلات زعامة؟ ومتى أصبح الانفعال سياسة؟.

لنكن واضحين: ماكرون ليس فوق النقد، وفرنسا لا تحمل هالة القداسة. 

لكن النقد، يا سي بنكيران، له لغته. له مقامه. له سلاحه. والنقد ليس قنبلة دخانية في قاعة مغلقة، بل مبضع جراح يعرف أين يقطع، وأين يترك الجلد يتنفس.

لكن بنكيران، ويا لخيبة الكلمات، قرر أن يكون شعبويا وهو يرتدي عباءة الرجل المؤسساتي. فاختلطت عليه الزعامة بـ”التعليق المباشر”، وتوهم أن الفصاحة تقاس بوقع الكلمة في أذن المتابعين، لا في سجل العلاقات الخارجية.

الأسوأ من ذلك أن خرجته هذه لم تذهب في مهب الريح، بل وقعت في أحضان الإعلام الدولي، وارتشفها الإعلام الجزائري بنشوة المنتقم. 

نعم، فقد أهدى بنكيران للنظام الجزائري وجوقته الإعلامية طبقا دسما، ملؤه الشماتة والتشفي، ووشحه بعنوان: “زعيم حزب مغربي كبير يهين رئيس فرنسا… حليف المغرب في قضية الصحراء!”.

فهل هذه هي الدبلوماسية التي نطمح إليها؟ دبلوماسية بنكيرانية بطابع “نقاش السوق” وأسلوب “خارج الخدمة”؟.

السياسة، يا سي بنكيران، ليست حلبة لعضلات اللسان. السياسة لغة،وزن، توقيت. والزعيم الحقيقي ليس من يصرخ أكثر، بل من يقول أقل، ويفهم أكثر. 

كان بإمكانك أن تنتقد، وأن تختلف، وأن تحلل موقف فرنسا، لكن بلغة رجل دولة، لا بلهجة من لا يفرق بين الموقف والتفريغ العاطفي.

أما أن توزع الأوصاف بهذا الشكل “الزنقوي”، فأنت لا تضر ماكرون، بل تضر المغرب. لا تحرج فرنسا، بل تحرج موقعك، وتربك خطاب بلدك، وتضعف موقعه في لحظة لا تحتمل المزيد من “الفراغ الخطابي”.

شكرا بنكيران.. فقد تحدثت، ورفعت صوتك، وأسقطت معنى الزعامة من علو شاهق. ولو كنت فعلا تسعى لخدمة الوطن، لارتديت ربطة خطاب، لا سترة غضب. أما الكلمة، فهي إما أن تُقال بعقل، أو لا تُقال..

* نشر في الصفحة الأولى لعدد اليوم الإثنين من جريدة الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *