حزب العدالة والتنمية ذو الوجهين ترأس الحكومة لمدة عقد كامل من الزمن، واشتغل في إطار المؤسسات القائمة، وكان يعتبر الانتخابات نزيهة وحرة وشفافة حينما كانت تمنحه الفوز وتخدم مصالحه، لكن بعد سقوطه المدوي في 2021، بدأ يثير الشكوك حول نزاهتها…
جمال الريفي -le12.ma
خيّم شبح هزيمة 8 شتنبر 2021 الثقيلة على أشغال المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، الذي انعقد مؤخراً ببوزنيقة، فظهر واضحاً في البيان الختامي أن الحزب لم يتجاوز بعد صدمة السقوط المدوي من 125 مقعداً نيابياً إلى 13 فقط، وهو ما جعل لغة البيان تنزاح نحو خطاب اتسم بالحذر، وتلميحات إلى أوهام “الفساد الانتخابي” و”هشاشة المؤسسات” و”تمييـع العملية السياسية”.
هذا التوجس، وإن كان مفهوماً من زاوية الخسارة السياسية، يضع الحزب في مواجهة مع تاريخه القريب؛ فالحزب الذي قاد الحكومة لولايتين متتاليتين، لطالما تغنى بنزاهة الانتخابات وشفافيتها، بل واعتبرها إحدى ركائز الانتقال الديمقراطي في البلاد، طالما كانت صناديق الاقتراع تصب في صالحه. لكن، بمجرد أن لفظته تلك الصناديق، تحول الخطاب إلى التشكيك، وإلى نغمة تعزف على وتر مزاعم “الاختلالات العميقة”، و”الإعلام المنحاز”.
ما يدعو للتأمل هنا هو هذا التبدل السريع في المواقف، والذي يكشف عن تناقض بنيوي في تعاطي الحزب مع المفهوم الديمقراطي ذاته. فالديمقراطية، كما يعرفها الجميع، لا تُختزل في لحظات النصر، بل تُختبر في لحظات الهزيمة أيضاً. غير أن الحزب الذي كان يُفاخر بكونه جاء عبر صناديق الاقتراع، بات اليوم يصف تلك الصناديق نفسها بأنها مطعون في مصداقيتها.
البيان الختامي للمؤتمر، في محاولة للتدارك، عاد ليؤكد على ضرورة “ترسيخ مصداقية الخيار الديمقراطي”، وشدد على أن “لا تنمية بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون احترام الإرادة الشعبية”. لكن هذه العبارات، رغم وجاهتها، لا تبدو مقنعة ما دامت تصدر عن حزب لم يتقبل نتائج الاقتراع إلا حين كانت في صالحه.
دعوة الحزب إلى “إصلاح المنظومة الانتخابية” ليست غريبة، لكنها تفقد الكثير من مشروعيتها حين تصدر من موقع المهزوم، وكأنها صرخة استغاثة لاستعادة مجد سابق، أكثر منها اقتراح موضوعي لإصلاح سياسي شامل.
في النهاية، فإن من حق العدالة والتنمية أن ينتقد ما يراه اختلالات في المسار السياسي، لكن من واجبه أيضاً أن يتحلى بحد أدنى من الاتساق في خطابه السياسي، لأن المصداقية الحزبية لا تُبنى فقط على ما يُقال، بل على متى وكيف ولماذا يُقال.