منذ حكومة إبن كيران يعاني المغرب من نقص حاد في عدد الأطباء النفسيين، إذ لا يتجاوز المعدل طبيبًا واحدًا لكل 100 ألف نسمة، مقارنة بـ1.7 طبيب عالميًا و9.4 أطباء في أوروبا لكل 100 ألف نسمة.
الرباط -جمال الريفي le12.ma
في صيف عام 2015، ستعلن حكومة عبد الاله إبن كيران، عبر وزير الصحة الحسين الوردي، الإغلاق الرسمي لمعتقل «بويا عمر» ضاحية مدينة قلعة السراغنة.
عملت وزارة الصحة، وقتها على توزيع جحافل من المرضى النفسيين والعقليين، على العدد المحدود من المستشفيات المتخصصة.
فاض مستشفى، برشيد جنوب الدار البيضاء، بالوافدين الجدد، وكذلك الحال بمستشفى الرازي في سلا، في مشهد كرس عجز المنشآت المتوفرة في إستقبال وتطبيب هؤلاء المرضى من المواطنين المغاربة.
منذ ذلك، الحين، تكاثرت في شوارع مختلف مدن المملكة، ظهور جحافل من الحمقى الغرباء، يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، في مشاهد حاطة من كرامة هؤلاء المواطنين، ربما أشد مما كانوا يعانون منها في المستشفيات أو معتقل «بويا عمر».
لابل، إن عجز حكومة عبد الاله إبن كيران، وبعدها حكومة سعد الدين العثماني وهو طبيب نفسي، في تطوير طب الصحة النفسية جعل مرضى يتجول في الأسواق ولا تظهر عليهم أعراض الحمق. فكانت النتيجة مأساة مدينة إبن أحمد وغيرها الكثير .
تبعا لذلك، بات المغرب يشهد، أكثر من أي وقت مضى، تكرار حوادث المختلين عقليًا، جراء إرث النقص الحاد في عدد الأطباء النفسيين.
وسلط الحادث الإجرامي الذي هزّ مدينة ابن أحمد، مؤخرًا، الضوء مجددًا على واقع الصحة النفسية والعقلية بالمغرب، بعدما تبين أن المتهم، الذي تسبب في مقتل عدد من الضحايا، سبق أن أُحيل أكثر من مرة على مستشفى الأمراض العقلية.
وتثير هذه الحوادث المتكررة التي يكون أبطالها أشخاصًا يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية، تساؤلات حادة حول نقص البنيات الاستشفائية المتخصصة، والخصاص الكبير في الأطر الطبية المؤهلة.
ويعاني المغرب من نقص حاد في عدد الأطباء النفسيين، إذ لا يتجاوز المعدل طبيبًا واحدًا لكل 100 ألف نسمة، مقارنة بـ1.7 طبيب عالميًا و9.4 أطباء في أوروبا لكل 100 ألف نسمة.
ورغم أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية عملت خلال عامي 2023 و2024 على تخصيص 108 مناصب جديدة للأطباء والممرضين المختصين بالصحة النفسية، ليبلغ العدد الإجمالي للموارد البشرية في هذا المجال 1,481 إطارًا، بينهم 116 طبيبًا مختصًا، إلا أن هذا الجهد يظل غير كافٍ لسد الخصاص الكبير المسجل ميدانيًا.
في هذا السياق، وجّه محمد غياث، النائب البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار، سؤالًا كتابيًا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، دعا فيه إلى اتخاذ تدابير استعجالية لتعزيز البنية الصحية الخاصة بالأمراض العقلية، خصوصًا بإقليم سطات.
وأشار غياث إلى أن واقعة ابن أحمد، التي تورط فيها شخص مختل عقليًا وأودت بحياة عدد من الأبرياء، كشفت عن هشاشة التعامل مع فئة المرضى العقليين وخطورة غياب مراكز متخصصة لاستقبالهم وعلاجهم. كما شدد على ضرورة إحداث بنيات صحية جديدة مجهزة لمعالجة هذه الفئة، حفاظًا على سلامة الأفراد والمجتمع.
وتؤكد العديد من الدراسات أن الصحة النفسية بالمغرب تواجه تحديات جسيمة، تتعلق بنقص الكوادر المتخصصة، وضعف الخريطة الصحية المتعلقة بالأمراض العقلية، وهو ما يفرض وضع استراتيجية وطنية مستعجلة لتعزيز منظومة الصحة النفسية، وتوفير العلاج والرعاية اللازمة للمصابين.