«المنخرطون في حملة السخرية والاستهزاء من مدينة بن احمد المغربية، ربما يريدون أن يوضحوا لنا أنهم يعيشون في مدن مغربية ترفرف فوقها الملائكة ». أحمد الدافري.

الدار البيضاء- مراسلة le12.ma

لم تكن مدينة إبن أحمد تعلم أن جريمة بشعة وقعت فوق ترابها ستفتح عليها أبواب الابتذال الإعلامي والسخرية الجماهيرية، في تجلٍّ صادم لظاهرة “البوز” التي تزداد استفحالاً في المشهد الإعلامي والافتراضي المغربي.

حادثة القتل المفجعة، التي هزّت الرأي العام المحلي والوطني، تحولت في بعض المنابر وعبر شبكات التواصل الاجتماعي إلى مناسبة لتغذية الفرجة الرخيصة. 

بدل أن تُقارب المأساة بمهنية ومسؤولية، ركض الكثيرون، مراسلين ومؤثرين على حد سواء، خلف مشاهد “الطرافة المصطنعة” التي تستجلب المشاهدات السريعة على حساب آلام الضحايا وسمعة المدينة.

التفاهة

في الوقت الذي كان يُفترض أن تكون الميكروفونات موجَّهة إلى أصوات راجحة ومثقفة قادرة على تفكيك أسباب الجريمة وقراءة السياق الاجتماعي الذي أفرزها، فضّلت بعض المنابر الإعلامية ــ كما أشار إلى ذلك الناشط المدني عبد الحكيم رضى ــ فتح المجال لأشخاص يفتقرون للأهلية الفكرية والنفسية. 

أفراد يظهرون في حالات هيستيرية أو في مشاهد عبثية لا تقدم أية قيمة مضافة، مما كرّس صورة نمطية مشوهة عن المدينة وساكنتها.

الأدهى من ذلك، أن بعض التقارير الميدانية وصفت المدينة بـ”القرية”، في تلميح استعلائي واضح، يعكس جهلًا بالمجال الجغرافي أولًا، وتحقيرًا غير مبرر ثانيًا. 

مما طرح تساؤلات حارقة عن وظيفة الإعلام اليوم: هل هو نقل الحقيقة أم تسويق التفاهة؟.

السخرية

بالتوازي مع هذه التغطيات الفجة، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة من السخرية الموجهة نحو ساكنة ابن أحمد. 

رواد كُثر استغلوا مشاهد بعض “الملتحين” الذين ظهروا في فيديوهات عفوية ليمارسوا جلدًا جماعيا للمدينة وأهلها، متناسين أن مظاهر السذاجة أو العفوية لا تخص منطقة دون أخرى.

وكما جاء في أحد مقالات جريدة Le12.ma، فإن “البدوي” الذي صار مادة للتهكم لم يكن إلا ضحية لمنظومة تعليمية وثقافية مهترئة أفرزت نماذج اجتماعية هشة، ينبغي أن تُواجَه بالإصلاح لا بالاحتقار. 

فالعيب ليس في المواطن البسيط الذي يعبر بطريقته الخاصة عن صدمته مما جرى، بل في السياسات العمومية التي أهملت لسنوات طويلة الهوامش المغربية وتركتها تئن في صمت.

مرض مجتمعي؟

أحمد الدافري، الخبير في التواصل، وضع النقاط على الحروف حين ميّز بين السخرية الهادفة التي تبتغي الإصلاح، وبين السخرية الجارحة التي تتحول إلى أداة إذلال وتجريح. معلقًا بأن حتى أقدس الأماكن، مثل مكة المكرمة، تعرف جرائم شنيعة، ومع ذلك لا يجرؤ أحد على اختزالها في تلك الجرائم.

من هنا يظهر بجلاء أن المشكلة لم تعد فقط في الإعلام، بل في مناخ عام بات يشرعن الاستهزاء المجاني من معاناة الناس، ويكرس ثقافة “البوز” كغاية في حد ذاتها، ولو على أنقاض الكرامة الإنسانية.

الكرامة

ما حدث في ابن أحمد ليس مجرد حادث عرضي، بل ناقوس خطر يدق بعنف على أبواب الضمير الإعلامي والافتراضي المغربي. إذا استمر اللهاث المحموم خلف “البوز” دون كوابح أخلاقية، فإن مدنًا أخرى وساكنتها ستكون في المستقبل القريب وقودًا لحفلات سخرية مماثلة.

آن الأوان لطرح السؤال الجوهري: أي إعلام نريد؟ وأي ثقافة تواصلية نرغب في ترسيخها؟ إعلام يحترم الإنسان أم إعلام يحوله إلى “فرجة” في سيرك التفاهة؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *