صفعة جديدة تلك التي تلقاها النظام في الجزائر وصنيعته البوليساريو، من خلال معطيات موثقة وردت في  مقال نشرته مجلة جون أفريك يوم 25 أبريل 2025، جاء تحت عنوان (صحراويون في سوريا: عندما كان البوليساريو يعقد الصفقات مع إيران ونظام الأسد).

*ترجمة وليد كبير

‏منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية عام 2024، بدأت الملاحظات والوثائق السرية تظهر إلى العلن، وبدأت الشهادات تتوالى. وهكذا، تبيّن أن بعض الصحراويين المعتقلين في السجون السورية هم في الواقع مقاتلون سابقون في جبهة البوليساريو، أُرسلوا لدعم قوات الديكتاتور المخلوع. وهي معلومات سارعت الجبهة إلى نفيها، لكنها مع ذلك شوّهت صورتها وزادت من مصداقية اتهامات المغرب لها.

‏في 12 أبريل 2025، كشف واشنطن بوست عن قضية حساسة: مقاتلون صحراويون، درّبتهم إيران، تم نشرهم في سوريا لدعم نظام بشار الأسد عسكرياً. وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن المئات منهم محتجزون حالياً لدى القوى الأمنية السورية الجديدة. وقد أكدت مصدران أوروبيان، استشهدت بهما الصحيفة، أن هؤلاء المقاتلين كانوا جزءاً من شبكة منظمة أقامتها إيران لتعزيز النظام السوري عبر مجموعات بالوكالة، تماماً كما هو الحال مع حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية.

‏ويضيف تحقيق واشنطن بوست أن السلطات السورية الجديدة، منذ سقوط نظام الأسد، شرعت في تفكيك البنية التحتية التي أنشأتها طهران، والتي كانت تتضمن شبكات تهريب أسلحة، ومعسكرات تدريب عسكرية، وانتشاراً مباشراً لنفوذ إيران عبر وكلاء ميدانيين، كان المقاتلون الصحراويون جزءاً لا يتجزأ منهم حسب ما نقلته الصحيفة.

‏مصدر قريب من جبهة البوليساريو، نقلت عنه الصحيفة، نفى أي تورط للجبهة، واعتبر هذه الاتهامات بأنها “إهانة” للحركة الصحراوية.

‏ومع ذلك، تؤكد هذه التسريبات صحة المعلومات التي كانت موجودة في سلسلة من الوثائق السرية التابعة للأجهزة الأمنية السورية، والتي أصبحت الآن بيد الحكومة الانتقالية السورية. وتثبت هذه الوثائق وجود تعاون منظم بين البوليساريو وحزب الله والنظام السوري، بدعم جزائري خفي.

‏بالنسبة للرباط، التي كانت قد قطعت علاقاتها مع طهران منذ 2018، فإن هذه المعطيات تؤكد صحة تحذيراتها الرسمية السابقة.

‏كل شيء بدأ بوثيقة سرية للغاية، مؤرخة في عام 2012، وعُثر عليها في أرشيف المخابرات السورية، وحصلت عليها “جون أفريك”. هذه المذكرة، الموجهة إلى رئيس الفرع 279 (الإدارة الخارجية للمخابرات العامة السورية)، توضح اتفاقاً بين “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” والجزائر ونظام دمشق، هدفه تنظيم تدريب 120 مقاتلاً صحراوياً، موزعين على أربع مجموعات، ليتم دمجهم في وحدات عسكرية سورية ابتداءً من يناير 2012.

‏وتصف الوثيقة اجتماعاً عقد في تندوف، حضره ممثلون جزائريون وسوريون، بالإضافة إلى الأمين العام السابق لجبهة البوليساريو محمد عبد العزيز، وخلفه المستقبلي إبراهيم غالي، وعبد القادر طالب عمر (سفير “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” في الجزائر)، لتنفيذ الاتفاق. وتشير الوثيقة أيضاً إلى سفر وفد صحراوي إلى بيروت في ديسمبر 2011 للقاء مسؤول عسكري من حزب الله.

‏ورغم عدم تمكنهم من لقاء حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله الذي قُتل لاحقاً في سبتمبر 2024 بغارات إسرائيلية، إلا أن التنسيق سمح بتحديد تفاصيل التدخل العملياتي. ولم يقتصر دور المقاتلين الصحراويين على التمثيل الرمزي، بل شاركوا في مهام خاصة إلى جانب القوات السورية للدفاع بنشاط عن نظام بشار الأسد.

‏تحذير ناصر بوريطة

‏للتذكير، في عام 2018، أعلن ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية المغربي، عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران. واتهم حينها طهران ليس فقط بتزويد البوليساريو بالأسلحة عبر حزب الله، بل أيضاً بتدريب مقاتليها عسكرياً. وفي مقابلة مع “جون أفريك” آنذاك، تحدث عن “تنسيق منظم” يتضمن شحنات لوجستية وإشرافاً وتدريباً.

‏في ذلك الوقت، كانت الرباط تدين محور طهران – حزب الله – الجزائر – البوليساريو باعتباره تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

‏وتأتي الوثائق السورية التي كُشف عنها حديثاً لتؤكد أن هذا التعاون تجاوز مجرد الدعم غير المباشر. فالمملكة المغربية لم تكن تعلم، أو كانت تتجاهل رسمياً على الأقل، أن بعض هؤلاء المقاتلين الصحراويين قد تم إرسالهم إلى سوريا لدعم نظام بشار الأسد عسكرياً. ولم يظهر هذا البعد إلا الآن، مع كشف الأرشيف السوري المنزوع السرية.

‏تجدر الإشارة إلى أن العلاقات بين المغرب وسوريا لم تكن دائماً متوترة. ففي أوائل سنوات الألفين، بدأ تقارب بفضل جهود عبد الرحمن اليوسفي، رئيس الحكومة المغربية الأسبق. وفي عام 2001، أفضت زيارة إلى دمشق إلى إغلاق مكتب البوليساريو هناك، وسحب الاعتراف السوري بـ”الجمهورية الصحراوية”.

‏غير أنه ابتداء من 2012، استأنفت سوريا علاقاتها مع الجبهة الانفصالية. وفي يوليو من العام ذاته، ألقى سعد الدين العثماني، وزير الخارجية المغربي حينها، كلمة بمجلس الأمن الدولي ندد فيها بانتهاكات النظام السوري ودعا إلى تعبئة دولية وإجراء تحقيقات مستقلة في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين.

‏ولم تتأخر دمشق في الرد: حيث هدد بشار الجعفري، الممثل الدائم لسوريا في الأمم المتحدة، علناً بكشف “ملفات حساسة” عن المغرب، خاصة بخصوص قضية الصحراء.

‏وفي عام 2023، استقبل سفير سوريا في جنيف قيادياً من البوليساريو. ثم، في يونيو 2024، شارك ممثلو الجبهة بمؤتمر مؤيد لفلسطين في بيروت نظمته سوريا. وفي ديسمبر من نفس السنة، ألقت المعارضة السورية القبض على حوالي ثلاثين مقاتلاً صحراوياً في مدينة حلب.

‏نفي البوليساريو وسط تزايد الضغوط الدولية

‏رغم أن جبهة البوليساريو تنفي بشكل قاطع حالياً اتهامات “واشنطن بوست”، إلا أن الدعوات إلى تصنيفها كمنظمة إرهابية تتزايد.

‏في الولايات المتحدة، يقود النائب الجمهوري جو ويلسون هذه الحملة منذ أبريل. وفي المملكة المتحدة، وصف النائب المحافظ ووزير الدفاع السابق ليام فوكس الجبهة بأنها “وكيل لإيران”.

‏بالنسبة للمغرب، فإن هذه التسريبات تأتي لتؤكد تحذيراته الدبلوماسية القديمة. أما بالنسبة للجزائر، الداعم التقليدي للبوليساريو، فإنها تشكل انتكاسة سياسية كبرى قد تتجاوز آثارها مجرد ملف الصحراء.

‏انتهت الترجمة ‏

مقال نشرته مجلة جون أفريك يوم 25 أبريل 2025.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *