أمس خلال انشغال الجماهير المغربية و الجزائرية بمباراة كرة القدم بين فريقي نهضة بركان و شباب قسنطينة، صادق مجلس الوزراء الجزائري، برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، على مشروع قانون “التعبئة العامة”.
القانون الذي أعيد بعثه من الأرشيف للمرة الثالثة منذ استقلال الجزائر، يفتح الباب أمام تعبئة عسكرية شاملة، تستهدف فئة “الاحتياط”: من خدموا في الجيش، أو مرّوا بالخدمة الوطنية، وتتوفّر فيهم شروط الجهوزية والانضباط والسن.
تاريخياً، لا تُخرج الجزائر هذا النوع من القوانين من درج السلطة إلا في اللحظات الحرجة.
أول مرة كان في حرب الرمال سنة 1963، والثانية خلال العشرية السوداء التي كادت أن تُسقط الدولة. أما الآن، فالسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يُحضَّر في الخفاء يبرر هذه المرة الثالثة ؟
التحليل البسيط يوصلنا لمعطى لا يمكن تجاهله: المغرب في طريقه لإغلاق ملف الصحراء نهائياً، بعد أن راكم دعماً دولياً غير مسبوق، وقوّى جبهته الداخلية، وحوّل مبادرة الحكم الذاتي إلى مرجعية أممية، لم يبق إلا القليل ليُطوى هذا الملف الذي كلّف المنطقة أكثر من أربعة عقود من التوتر.
هذا “الربح المغربي” لا يُهضم بسهولة في عنق الجنرالات داعمي تقسيم المغرب. فالدولة التي صرفت مليارات الدولارات على دعم تنظيم البوليساريو الإرهابي ليسرق جنوب المغرب ، وعبّأت إعلامها وخطابها السياسي والعقائدي ضد وحدة المغرب الترابية، لا يمكن أن تتراجع فجأة وتُسلّم بهزيمة ناعمة بلا رد فعل.
كل المؤشرات التي ترصدها الأقمار الصناعية ومراكز المراقبة المتخصصة تشير إلى تحركات ميدانية غير طبيعية على الحدود الشرقية للمملكة :
– بناء مكثف للمتاريس والخنادق
– تجهيز مطارات عسكرية ومهابط جوية جديدة
– تحريك وحدات مدرعة
– توسيع منصات إطلاق الصواريخ والدفاع الجوي
– ارتفاع ملحوظ في المناورات العسكرية
الجزائر لا تصدر بيانات، لكنها تقول الكثير عبر أفعالها. فالتعبئة العامة ليست فقط استعداداً لحرب مباشرة، بل قد تكون أداة لرفع منسوب التوتر، أو لخلق واقع عسكري ضاغط تُوظَّف فيه القوة كعامل تفاوض.
الجزائر اليوم أمام خيارات محدودة، إما تسوية شاملة تحفظ ماء الوجه لها و لتنظيمها الانفصالي بعد هزيمة دبلوماسية واضحة، أو تصعيد خطير يُدخل المنطقة في دوامة توتر قد تخرج عن السيطرة.
في الحالتين، يبقى السؤال: هل الجزائر تُعبّئ الجبهة الداخلية استعداداً لمواجهة خارجية؟
أم تُهيئ الخارج لصرف الأنظار عن تصدعات الداخل؟
التعبئة بدأت فعلياً، لكن السؤال ليس هل هناك شيء يُحضّر؟
بل: متى؟ وأين؟ وكيف؟.
*محمد واموسي -صحفي مغربي وكاتب رأي