في نفس الوقت، كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يُستقبل في باريس، في زيارة وُصفت بالاستراتيجية، مما يؤكد أن باريس اختارت الرباط شريكًا إقليميًا موثوقًا، ووضعت الجزائر في خانة الشريك المضطرب غير الموثوق والمثير للقلق.
*وليد كبير
في مشهد يعكس أعلى درجات التخبط والهيستيريا، أقدمت وزارة الخارجية الجزائرية على إصدار بيان يعلن طرد 12 موظفًا من السفارة الفرنسية، في محاولة يائسة لتسويق صورة “الدولة ذات السيادة”، بينما الحقيقة أن النظام يعيش عزلة دبلوماسية خانقة، ويغرق في فضيحة أمنية مدوية فجّرها القضاء الفرنسي بعد ان كشف تورط أحد موظفي قنصليته بفرنسا في مخطط لاغتيال المعارض الجزائري أمير ديزاد.
هذا البيان الذي صيغ بلغة انفعالية مضطربة، لا علاقة له بالدفاع عن السيادة، بل هو مجرد ستار دخاني لتغطية الإهانات المتتالية التي تلقاها النظام المأزوم خلال الأيام الأخيرة، وعلى رأسها فشل عبد المجيد تبون اثناء زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو للجزائر الأسبوع الماضي في انتزاع أي تليين للموقف الفرنسي من قضية الصحراء المغربية، رغم الصفقات الهامة وبمئات ملايين الدولارات التي مُنحت وبجرة قلم لصالح شركات فرنسية في الطاقة والبنية التحتية سويعات فقط بعد مغادرة المسؤول الفرنسي قصر المرادية.
لكن باريس، وبخبرة العواصم الكبرى، رفضت المساومة، وأكدت بوضوح استمرار دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
أما القنبلة التي حاول النظام الجزائري التهرب منها، فهي قرار القضاء الفرنسي إيداع السجن الاحتياطي موظف بالقنصلية الجزائرية، بعد أن تبيّن ضلوعه في عملية أمنية تستهدف اغتيال معارض سياسي.
هذه الفضيحة وضعت النظام في موقع اتهام مباشر باستخدام البعثات الدبلوماسية كأذرع للتصفية السياسية، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
البيان حاول التغطية على هذه الإدانة عبر اتهام فرنسا بـ”الإهانة” و”الاستعراض”، والتركيز بشكل مباشر على شخص وزير الداخلية الفرنسي برينو روتايو واتهامه بـ”اجادة الممارسات القذرة لأغراض شخصية بحتة”، بينما كان الوزير نفسه في اليوم ذاته يلاقي المسؤولين المغاربة في الرباط، ويعزز التحالف الأمني والاقتصادي مع المملكة.
وفي نفس الوقت، كان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة يُستقبل في باريس، في زيارة وُصفت بالاستراتيجية، مما يؤكد أن باريس اختارت الرباط شريكًا إقليميًا موثوقًا، ووضعت الجزائر في خانة الشريك المضطرب غير الموثوق والمثير للقلق.
وبتحليل فقرات البيان الفضيحة، يتضح أنه لا يحتوي على أي موقف قانوني أو دبلوماسي متماسك، بل هو خطاب انفعالي مرتبك:
•يبدأ بتقديم قرار الطرد كأنه “إنجاز سيادي”، بينما هو محاولة يائسة لرد الصاع بعد فضيحة تورط دبلوماسي في مشروع اغتيال.
•يصف الاعتقال بأنه “استعراض إعلامي”، في تجاهل كامل لاستقلالية القضاء الفرنسي، وأدلة التحقيق الرسمية.
•يُهاجم وزير الداخلية الفرنسي بأسلوب غريب منافي للأعراف الدبلوماسية.
•يختم بعبارات التهديد الفارغة المعتادة مثل “رد حازم”، التي لم تعد تثير حتى السخرية، بل الشفقة على نظام فقد السيطرة على أبسط أدواته السياسية.
في الخلاصة، فرنسا وجهت صفعتين موجعتين للنظام الجزائري:
أولاهما برفض وتجاهل مطالب عبد المجيد تبون بشأن الصحراء المغربية، وثانيهما بكشف تورط الدبلوماسيين الجزائريين في الإرهاب. وبدل أن يواجه النظام الحقيقة، اختبأ وراء بيان رديء، يصنع بطولات وهمية بينما يغرق في فضائحه التي انكشفت بعد سقوط الأقنعة.
الجزائر اليوم في ظل حكم العسكر تدفع الثمن… والمغرب يجني ثمار سياسته المبنية على الحكمة والبصيرة وفرنسا حسمت خيارها.
*كاتب صحفي جزائري