في ظل التحديات البيئية المتزايدة، أضحت قضية تدبير النفايات من بين أولويات المدن المغربية، ومنها مدينة سيدي سليمان، التي تحتضن مطرحًا مراقبًا للنفايات يبدو للوهلة الأولى كمجرد فضاء لطمر الأزبال، لكنه في الواقع يخفي في طيّاته كنزًا طاقيًا مدفونًا، يمكن أن يُحدث تحولًا بيئيًا وتنمويًا جذريًا، إذا ما استُثمر بشكل علمي وذكي.
ضمن مشاركتهم في برنامج الصحافيون الشباب من أجل البيئة، قام تلاميذ مؤسسة Anassys 2 privé بإنجاز تحقيق ميداني رصدوا فيه وضع المطرح المراقب، وفرص التثمين الطاقي للنفايات، مع استقصاء آراء المسؤولين المحليين، وتحليل التحديات البيئية والفرص الاقتصادية الكامنة.
مشروع المطرح المراقب: بنية تحتية واعدة لكنها غير مكتملة
أنشأت مجموعة الجماعات بني حسن للبيئة المطرح المراقب سنة 2019 على مساحة 27 هكتارًا، لمعالجة المشاكل البيئية المزمنة الناتجة عن النفايات العشوائية. وقد تم اعتماد تقنيات صديقة للبيئة، من بينها العزل الأرضي بطبقات بلاستيكية عالية الكثافة ((HDPE، ونظام لتجميع العصارة (الليكسيفيا) ومعالجتها، بما يحمي الفرشة المائية والمحيط البيئي من التلوث.
لكن رغم توفر هذه البنية التحتية الأساسية، فإن منظومة التثمين الطاقي للنفايات لم تُفعل بعد، مما يجعل المشروع في وضعية انتقالية، ويطرح تساؤلات حول جدوى الاكتفاء بالطمر دون استغلال موارد الطاقة الكامنة في النفايات العضوية.
إمكانات طاقية غير مستغلة: الميثان كنز تحت الأرض
تشير الإحصائيات إلى أن المغرب يُنتج أكثر من 7 ملايين طن من النفايات المنزلية سنويًا، أغلبها من الوسط الحضري. وتُشكّل النفايات العضوية حوالي 70% من هذا المجموع، ما يجعلها مصدرًا مثاليًا لإنتاج البيوغاز، خاصة غاز الميثان (CH₄) الناتج عن التحلل الحيوي.
في سيدي سليمان، يُنتج الفرد يوميًا ما يقارب 0.8 كلغ من النفايات، تُنقل مباشرة إلى المطرح، دون وجود نظام فعّال لاستخراج أو استغلال غاز الميثان، رغم وجود نماذج مغربية ناجحة في هذا المجال، مثل مطرح أم عزة بالرباط، الذي ينتج أزيد من 8 ميغاواط من الكهرباء يوميًا باستعمال البيوغاز.
هذا الوضع يُبرز المفارقة: البنية موجودة، لكن الحلقة المفقودة هي التثمين الطاقي.
تحديات بيئية وفرص مهدورة
رغم الجهود المبذولة من قبل الجهات المحلية، إلا أن غياب وحدات تثمين النفايات يُعتبر إشكالية محورية، تُفوّت على المدينة فرصًا بيئية واقتصادية مهمة. فالميثان غير المستغل لا يمثل فقط خسارة طاقية، بل يشكل خطرًا بيئيًا إذا تسرب إلى الهواء، لما له من أثر كبير على الاحتباس الحراري.
كما أن العصارة السائلة (ليكسيفيا) قد تشكل مصدرًا جديدًا للتلوث في حال ضعف المعالجة، وهو ما يهدد مستقبل المشروع إذا لم يُواكب بتحديثات تقنية واستثمارات مناسبة.
نحو اقتصاد دائري محلي: توصيات من الجيل الجديد
في إطار هذا التحقيق الشبابي، يقترح الفريق الصحفي من مؤسسة Anassys 2 privé مجموعة من التوصيات العملية:
– إنشاء محطة لتحويل الميثان إلى طاقة كهربائية داخل المطرح.
– عقد شراكات بين الجماعة وشركات الطاقة النظيفة، بما يضمن نقل الخبرات وتوفير التمويل.
– إدماج المجتمع المدني والمدارس في مبادرات الفرز من المصدر والتوعية البيئية.
– الاستفادة من برامج التمويل الوطني والدولي، مثل “البرنامج الوطني لتدبير النفايات المنزلية” و”الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة“.
من مطرح للنفايات إلى منجم للطاقة
إن تحويل النفايات إلى طاقة نظيفة في سيدي سليمان لم يعد فكرة حالمة، بل هو مشروع واقعي وقابل للتنفيذ، خاصة مع توفر البنية الأساسية والدعم المؤسساتي. وتُشكل تجربة المطرح المراقب فرصة لتجسيد الانتقال البيئي، إذا تم تفعيل التثمين الطاقي ضمن رؤية متكاملة للاقتصاد الدائري والتنمية المستدامة، يكون فيها المواطن جزءًا من الحل، والمؤسسات شريكًا فعّالًا.
تحقيق بيئي: الصحافيون الشباب من أجل البيئة مؤسسة Anassy 2 privé
شاهد الفيديو التوثيقي الكامل
تحقيق بيئي– الصحافيون الشباب من أجل البيئة مؤسسةAnassy 2 privé
ما المانع من أخذ تجارب دول سبقتنا إلى ذلك وخاصة تركيا لتحويل النفايات إلى طاقة تستعمل للإنارة.عوض التفكير في نهب جيوب المواطنين وإثقالهم بالضرائب والبحث عن سبل الإغتناء الفاحش بشتى الطرق