السر في نجاح “لام شمسية” يكمن في معادلته الصعبة: سيناريو محكم، رؤية إخراجية متماسكة، وأداء تمثيلي استثنائي.

*نعيمة لحروري

في زحمة الإنتاجات الدرامية، حيث تتكرر الوجوه والقصص حتى يكاد المشاهد يحفظ تفاصيلها قبل أن تُعرض، يخرج مسلسل “لام شمسية” كاستثناء نادر، يذكرنا بأن الدراما ليست مجرد تسلية عابرة، بل مرآة تعكس عمق القضايا المسكوت عنها بجرأة وذكاء.

 هذا العمل، الذي يتناول قضية التحرش بالأطفال، لم يكتفِ بإثارة التعاطف أو افتعال الصدمة، بل قدم رؤية درامية ناضجة، تتسلل إلى وعي المشاهد بسلاسة، دون أن تسقط في فخ الاستهلاك العاطفي أو المباشرة الخطابية.

السر في نجاح “لام شمسية” يكمن في معادلته الصعبة: سيناريو محكم، رؤية إخراجية متماسكة، وأداء تمثيلي استثنائي.

 لم يكن الهدف مجرد تقديم قصة مأساوية، بل تقديمها بحرفية تليق بجوهرها الإنساني العميق.

 الكاتبة مريم ناعوم والمخرج كريم الشناوي استطاعا تحويل النص إلى تجربة بصرية مؤثرة، لا تعتمد على المبالغات ولا تحاول استجداء الدموع، بل تضع المشاهد أمام الحقيقة المجردة، الصادمة في بساطتها.

يكفي التأمل في العنوان نفسه: “لام شمسية”. ليس مجرد اسم، بل إشارة ذكية إلى عالمين متناقضين؛ عالم اللام القمرية الواضحة، وعالم اللام الشمسية المخفية، تماما كما تختبئ الحقيقة خلف ستار الصمت والخوف. هذه الرؤية العميقة امتدت إلى تفاصيل العمل كافة، فجاءت المشاهد داخل عيادات الطب النفسي بمثابة انعكاس للحالة النفسية للشخصيات، حيث تم توظيف التحليل النفسي بوعي واحترام لعقل المشاهد، لا كديكور زائد أو وسيلة لملء الفراغات.

لكن، وأي حسرة في هذه الـ”لكن”، كيف لنا أن نشاهد عملا بهذا المستوى، ثم نعود إلى واقع الدراما المغربية، التي ما زالت تدور في فلك الاجترار والتكرار؟ كل عام، تتكدس المسلسلات بنفس الوجوه، بنفس السيناريوهات، بنفس الحوارات التي لا تحمل جديدا. وكأن المشهد الدرامي المغربي محكوم بدائرة مغلقة، لا تفسح المجال للإبداع ولا للجرأة في الطرح.

نعم، هناك محاولات بين الحين والآخر للخروج عن المألوف، لكن الاستثناء لا يغير القاعدة. الإنتاجات المغربية تعاني من أزمة ابتكار حقيقية، حيث يتم التعامل مع المشاهد كمتلقٍ سلبي، يُفرض عليه المحتوى دون أدنى احترام لذكائه. لا مفاجآت، لا شخصيات معقدة، لا حبكات تشد الانتباه.

 والنتيجة؟ جمهور بات يهرب إلى الإنتاجات العربية والعالمية بحثا عن الجودة التي يفتقدها في شاشته الوطنية.

“لام شمسية” لم يكن مجرد مسلسل ناجح، بل كان درسا في كيف يمكن للدراما أن تكون أداة للتوعية دون أن تفقد بريق الفن، وكيف يمكن معالجة القضايا الشائكة بأسلوب راقٍ دون الوقوع في الابتذال. أما نحن، فما زلنا ننتظر اللحظة التي تشرق فيها “لام شمسية” على واقعنا الدرامي الباهت، فمتى يأتي ذلك اليوم؟.

*نشر بعدد اليوم الأربعاء من جريدة الأخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *