ظلت الزاوية العياشية مركزا إشعاعيا ثقافيا وعلميا تشد إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب، كما استقطبت المتعلمين من كل الآفاق ووفرت لهم جل شروط التعليم.

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصّوفيان إلى أزمنة بعيدة..

لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.

بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.

 ظلت الزاوية العياشية مركزا إشعاعيا ثقافيا وعلميا تشد إليها الرحال من مختلف أنحاء المغرب، كما استقطبت المتعلمين من كل الآفاق ووفرت لهم جل شروط التعليم.

ومما لا شك فيه أن الزاوية العياشية من المؤسسات العلمية التي لها دور هام في التربية والتعليم، فشكلت الوعاء الاجتماعي للتعليم، جنبا إلى جنب مع المدارس والمساجد، فكانت تصلى فيها الصلوات الخمس، فضلا عن الدروس التي كانت تلقى على طلاب العلم، كما كانت تقوم بوظائف أخرى.

وقد أسس هذه الزاويةَ الشيخ محمد بن أبي بكر العياشي في أوائل القرن الحادي عشر الهجري، بإشارة من شيخه محمد بن أبي بكر الدلائي، لكنها اشتهرت أكثر في عهد ابنه أبي سالم العياشي، بعد أن قام ببعث الزاوية العياشية أو الحمزية من جديد بناء وتجديدا… وحمزة، الذي تنتسب إليه الزاوية اليوم، هو حفيد الشيخ محمد بن أبي بكر العياشي، وقد عُني عناية شديدة بهذه الزاوية وبتوسيع مرافقها والاعتناء بمكتبتها.

والشيخ محمد بن أبي بكر العياشي، بحسب ما جاء في مقالة للأستاذة ذة. رشيدة برياط، أستاذ صالح، أخذ عن كثير من شيوخ العلم والتصوف، وبخاصة الشيخ أحمد أدفال الدرعي، وأقام مدة غير قصيرة في الزاوية الدلائية يتتلمذ للإمامين الدلائيين أبي بكر وابنه محمد، وهذا الأخير هو الذي أشار عليه بتأسيس زاوية في آيت عياش على صورة زاوية الدلاء، يطعم فيها الطعام وتلقن أوراد الشاذلية وتعقد حلقات التدريس.

أمضى محمد بن أبي بكر العياشي زهاء ربع قرن في زاويته يعلم الطلبة القرآن الكريم ومبادئ الدين، ويشرح لهم ولسائر المريدين كتب القوم، كمؤلفات الشيخ أحمد زروق، وأحزاب الإمام أبي الحسن الشاذلي. واشتغل بالتدريس في زاويته العياشية إلى جانب الشيخ محمد بن أبي بكر، وبعد وفاته أبناؤه: أحمد بن أحمد العياشي، وعبد الكريم بن محمد العياشي، وأبو سالم عبد الله بن محمد العياشي، ومحمد بن محمد بن عبد الجبار العياشي.

وتقع الزاوية العياشية أو زاوية سيدي حمزة كما تسمى اليوم في حدود جبل العياشي، على ضفة أحد روافد وادي زيز، بعيدا عن ميدلت بنحو 60 كلم جنوبا، أسّسها في النصف الأول من القرن الهجري الحادي عشر، السابع عشر الميلادي محمد بن أبي بكر العياشي وعمرها بتلاوة القرآن وقراءة الأحزاب الشاذلية وتدريس مبادئ العلوم. وأخذ ذلك عنه ولده أبو سالم، وعدّه في فهرسته أول شيوخه قائلا: “رباني فأحسن تربيتي وغذاني بنفائس علومه فأحسن تغذيتي. ولما استقر أبو سالم العياشي في زاوية أبيه، بعد أن اغترب طويلا في طلب العلم في بلاد درعة وفاس وفي المشرق، أخذ جانب العلم يتغلب على التصوف في هذه الزاوية، وغصّت رحابها بصنوف الطلبة من مبتدئين ومحصلين، وتخرج بعضهم فيها وبدأ يشتغل بالتدريس، مثل أحمد الهشتوكي، الذي فصل في فهرسته قرى العجلان الكتب التي كانت تدرس في الزاوية العياشية.

وجاء في الفهرس الوصفي للزاوية العياشية: “تقع زاوية سيدي حمزة جنوب ميدلت من إقليم تافيلالت وتبعد عنها بـ60 كلم، تمتد 35 كلم من هذه المسافة في الطريق بين ميدلت ومركز قصر السوق.

وبينما ينحرف باقي الطريق في منعرجات ومنحدرات، تفضي إلى بسيط صغير مكتنف بين جبل العياشي وبعض هضاب أخرى، وفي هذا البسيط توجد قرية صغيرة، مبنية على الشكل القديم لمباني الإقليم، وهي التي صارت تعرف بزاوية سيدي حمزة، بعدما كانت تعرف بالزاوية العياشية، بزاوية أبي سالم، وزاوية سيدي محمد بن أبي بكر، وهذا الأخير هو مؤسس الزاوية والجَدّ الأعلى لكثير من سكانها. وقد سلف لهذه الزاوية ماض علمي مشرق، شع في الربع الأخير من القرن الحادي عشر الهجري، وامتد نحو قرن من الزمن.

وقد أسسها محمد بن أبي بكر العياشي عام 1044هـ، بإشارة من شيخه محمد بن أبي بكر الدلائي، وهو الذي أذن له في إطعام الطعام بالزاوية. وكان محمد بن أبي بكر يعطي الأوراد للناس، ويقصدونه من القبائل البعيدة، ونحن وإن لم نعثر على ما يُبيّن لنا هذه الأوراد التي كانت تلقن في زاوية آيت عياش، فإننا لا نشك في أنها قريبة مما يتلقاه المريدون في زاوية الدلاء، فشيوخ أبي بكر العياشي كلهم شاذليون، وأكثر إقامته كانت في الزاوية الدلائية…

ولما آلت الزاوية العياشية إلى أبي سالم العياشي، أخذ يشتغل فيها بتدريس العلم، وسار على نهج والده في الاتصال بالدلائيين… ولم تنقطع صلة العياشيين بالدلائيين حتى بعد تخريب زاوية الدلاء، إذ نجد حمزة بن أبي سالم العياشي يأخذ العلم في فاس عن محمد المسناوي الدلائي، ويؤلف كتابا في ترجمته.

وإلى حمزة هذا تنتسب الزاوية العياشية، لأن عنايته بها كانت بالغة، فعمل على تنشيط الحركة العلمية فيها، وبذل كل ثروته في اقتناء الكتب واستنساخها

ولا تزال بقايا من هذا العصر الذهبي تلمع في بقعة مدفونة وسط زاوية سيدي حمزة، وتقع على مقربة من دار أبي سالم العياشي، وترفع عنها قليلا في مرتقى صعب، يؤدي إلى حجرة صغيرة توجد فيها ست خزائن خشبية مختلفة الأحجام ومملوءة بالكتب التي تتكون منها مكتبة الزاوية الحمزية، أو بأدق تعبير بقايا هذه المكتبة التي تقتصب هذه الرسالة الحديث عنها، لتتوسع فيها

 واشتغل بالتدريس هنالك أيضا من الأسرة العياشية عبد الكريم العياشي، أخذ عنه أخوه أبو سالم، واستجاز له في رحلته الحجازية الثانية عام 1064 هـ/ 1654 م علماء المدينة معبرا عنه بأخيه الأكبر ومعلمه الأبر. ومحمد بن محمد بن عبد الجبار العياشي من أنبه تلاميذ أبي سالم وأشهر العلماء العياشيين بعده، تتلمذ له حتى أعلام فاس في الحديث والنحو والبلاغة وغيرها، واستجازوه في ذلك كله، وهو الذي كتب عام 1071 هـ/ 1661 م إلى خاله أبي سالم، وكان يومئذ في المشرق، يصف له المسغبة العامة في المغرب وآثارها المهولة في ضواحي الزاوية العياشية، وفي قرية الدلاء التي فيها قبور أولئك الملوك، فكانت هذه الرسالة النص المعاصر الوحيد -في ما نعلم- الذي تحدث عن الزاوية الدلائية القديمة وإهمالها بعد قيام مدينة محمد الحاج الدلائي.

ومن أبرز شيوخ هذه الزاوية العالم الكبير أبو سالم العياشي، صاحب “الرحلة الشهيرة”، فقد كان شخصية استوعبت واقع عصرها السياسي والاجتماعي والفكري، فهو -أولا- من شيوخ الزاوية العياشية التي استهمت -بجانب الزوايا الأخرى- في الإشعاع العلمي والوعي التاريخي في البادية المغربية، وهو -ثانيا- رحالة شهير حبر علماء المشرق الإسلامي وواقعهم في رحلاته الحجازية.

وهو -ثالثا- مشارك في العلم والتصوف والأدب بالقدر الذي تبدعه طاقت تمرست بألوان من التحصيل في العلوم الشرعية والأدبية، وشكلت -رغم تعددها- رؤية استجابت لطبيعة الفكر المغربي.

أما المكونات الأولى للمكتبة الحمزية فيعود تاريخها إلى أيام الشيخ سيدي محمد بن أبي بكر العياشي، آنف الذكر، فقد أوقف هو وأخوه سيدي عبد الجبار بن أبي بكر المتوفى سنة 1082هـ جميع كتبهما على بيتهما المذكور وسجلا هذا الوقف في وثيقة كتبت على الصفحة الأولى من مخطوط في المكتبة يحمل رقم 517.

ويظهر أنه كان يوجد بالزاوية بعض أفراد يقومون بتسفير الكتب، فإنه لا تزال بها بقايا من أجهزة التسفير موضوعة هناك.

وكانت لهم عناية بتتميم الناقص من كتبها، بكتابة الصفحات أو الأجزاء المفقودة، وتقدم بعض المخطوطات المكتبة أمثلة لهذا، منها المخطوط الذي يحمل رقم 399، وهو نسخة صحيح البخاري عشارية الأجزاء، ضاع منها الجزآن التاسع والعاشر، فجددت كتابتهما مع التصريح بأنهما كتبا بالزاوية العياشية، برسم سيدي عبد الوهاب بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن حمزة بن أبي سالم العياشي، القائم بأمر الزاوية آنئذ.

وكان محط عنايتهم وهو المحافظة على ثروة المكتبة، فقد كان للقائمين بأمر الزاوية اهتمام بالمحافظة على كتبها من الضياع وولوع بتعهدها واعتناء بصيانتها من الحشرات والأمطار، وبهذا استطاعت أن توفر إلى حد الآن مجموعة لا بأس بها من النوادر والذخائر نظيفة سليمة في الجملة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *