يحظى المسجد الأعظم (أو الجامع الكبير) في صفرو بمكانة خاصة لدى ساكنة المدينة، فبجنباته كان يتحلق أهل صفرو منتظرين الإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان من منارته المشيّدة في العهد الإسماعيلي.

أعدها للنشر- عبد المراكشيle12

اشتهر المغرب بكونه يتوفر على عدد كبير جدا من المساجد، حتى لَتجد من ينتقذون هذه الوفرة “الملحوظة” لـ”بيوت الله” على حساب مرافق حيوية أخرى ضرورية لحياة المواطن البسيط، مثل المدارس والمستشفيات والمصانع.

بناء على هذه المعطيات لا تكاد تخلو أية قرية نائية أو مدشر موغل في أعماق “المغرب غير النافع” من مساجدَ يُذكر فيها اسم الله، فما بالك بمُدن المركز وباقي الحواضر الكبرى في بلاد الـ مسجد.

سنأخذكم، من خلال هذه الفسحة الرمضانية “حكاية مسجد” في جولات عللا بساط من كلمات خطّتها أقلام مغربية مختلفة عن أشهر مساجد المغرب وجوامعه.

يحظى المسجد الأعظم (أو الجامع الكبير) في صفرو بمكانة خاصة لدى ساكنة المدينة، فبجنباته كان يتحلق أهل صفرو منتظرين الإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان من منارته المشيّدة في العهد الإسماعيلي.

فقد كان من الممكن أن نقرأ على باب الصّومعة أن هذا المنار بُني في 1073 هـ (1662 م) بإشراف أبي عبد الله محمد بن العربي حماموش، ناظر الأوقاف.

وقد تعدّ واجهات منارة الجامع الكبير لصفرو (أو “المسجد الأعظم” حسب وثائق نظارة أوقاف صفرو منذ القدم) مفتاحا لمعرفة برانية بالمسجد، فكل واجهات الصومعة تشتمل على ثلاث نوافذ وكوة. وإذا كانت للكوة وظيفة عملية تتمثل في تأمين الإنارة والتهوية لداخل المنارة، فإن للنوافد الثلاث المنقوشة وظيفة “إعلامية”، فهي إخبار للناظر إليها بكون هذا المسجد تقام فيه صلاة الجمعة والصلوات الخمس وفيه كرسي علمي .

تشير الحوالة الحبسية المحررة ابتداء من أواسط شهر ذي الحجة 1096 هـ (1684 م) أنه كانت في المسجد الأعظم كراسٍ علمية عديدة يدرس فيها الفقه من خلال “مختصر الشيخ خليل” و”رسالة ابن أبي زيد القيرواني” و”التوحيد والعقائد”، عن طريق “العقيدة الصغرى” و”العقيدة الكبرى” للشيخ السنوسي. كما يدرس كتاب الترغيب والترهيب للحافظ المنذري في الحديث النبوي. وتدرس الأخلاق والتصوف من خلال كتاب “حلية الأولياء وطبقة الأصفياء” للحافظ أبي النعيم الأصفهاني. وكان يدرس في المسجد الأعظم أيضا كتاب “الوعظ والرقائق” للعلامة الحريشفي، وكذا كتاب “فتوح الشام” للواقدي.

ويذكر في هذا الصدد أن أجور القيّمين على الكراسي العلمية في الجامع الكبير لصفرو كانت تؤدى من أوقاف حبّسها القائد محمد بن الشيخ بن يشو اليازغي حسب رسم حبسي عام 1111 هـ (1699 م) أي قبل ميلاد السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن الشريف بـ69 سنة، وهو السلطان الذي ينسب إليه البعض بناء الجامع الكبير. وقد تمّت في عهد السلطان سليمان توسعة المسحد الأعظم جنوبا، وهي المناسبة التي أهدى السلطان المذكور المسجد منبرا سلطانيا آية في الجمال وبديع الصنعة لا يزال يذكره بعض من ارتادوا المسجد الأعظم منذ بضعة عقود

وصحن المسجد الأعظم صحن مكشوف، في أقصاه محراب كان يؤمّ به الإمام متقي مدينة صفرو. في الليلي القائظة كانت تعلو المحرابَ مزولة (ساعة شمسية) “نُقلت” من موقعها أثناء ترميم المسجد ولا يدري أحد أين “اختفت”. وكانت تتوسط الصحنَ نافورة مرمرية بيضاء، “احتفت” بدورها من مكانها. وليست المزولة والنافورة الرخامية وحدهما اللتان فُقدتا من المسجد الأعظم في ظروف ملتسة. فحتى الثريا التي كانت تزين الصحن الرئيسي للجامع الكبير لصفرو تم تغييرها بثريا لا تغادل الأصلية في جمالها وقيمتها التاريخية.

ولم تكن المشتملات التاريخية وحدها التي طالها “التغيير”، فقد كان -حتى وقت قريب- يؤذن مرتين لصلاتي الظهر والعصر، وفي “غفلة” تم الاقتصار على آذان واحد بالنسبة إلى صلاة الظهر. ومعلوم أن تثنية الأذانين هو تقليد في عدد من المدن العتيقة كان يُمارَس في جوامعها الكبيرة لإتاحة الفرصة للصنّاع التقليديين المنهمكين في أشغالهم لصلاة الجماعة .

وهناك تقليد آخر “اندثر” من هذا الجامع، فقد كان يرفع على صومعة الجامع الكبير يوم الجمعة علمان بالتوالي: علم أزرق -من فجر الجمعة إلى ما يعرف بالضحى، ثم علم أبيض -من الضحى وبداية القراءة الجماعية للقرآن إلى آذان صلاة الجمعة .

هكذا، لم تشفع تاريخية وقداسة المسجد الأعظم له من “الاحتضار” تحت أعين ساكنة صفرو، إذ لا حديث بين ساكنة مدينة “المنزل” إلا عن المسجد الأعظم وسط المدينة والوضعية التي أصبح عليها منذ سنوات، إذ تزداد حالة بنيته التحتية سوءا بمرور الوقت، بينما تتضاعف سرعة التدهور.

وفي هذا الإطار صرّ قال أحد مرتادي هذا المسجد التاريخي بأن أرضية المسجد أصبحت متدهورة جدا، خاصة الجناح المخصص للوضوء والنظافة، فأصبح مثيرا للاشمئزاز، “ويحز في النفس أن يرى المرء بيتا يحظى بالقدسية في ديننا الحنيف يئنّ تحت الأوساخ والأدران والتدهور، وتصدمك الروائح الكريهة النتنة، التي تزكم الأنوف، من المراحيض“.

وتساءل مواطن آخر “ألا يستحق هذا المسجد، الذي يحمل لقب “الأعظم”، ولو نزرا من العناية من قبَل ممثل الإدارة الوصية في صفرو؟! فهذا المسجد، حسب المصادر، بُني في عهد السلطان مولاي سلميان.. ألا يستحق عناية خاصة تليق برمزيته التاريخية وقيمته المعمارية، ضمن مخطط العناية ببيوت الله، وتوفير الظروف الملائمة لإقامة الشعائر الدينية فيها، في جو من الطمأنينة والسكينة، بعيدا عن كل ما من شأنه التشويش أو المساس بوقارها وقدسيتها“..

يشار إلى أن الجامع الأعظم، الذي يعدّ مفخرة لمدينة المنزل والمنطقة وللمغرب بصفة عامة، يعدّ من المساجد التاريخية ومن المآثر الفنية التي تمثل الثقافة والمعمار المغربي الأصيل، كما يمثل إبداعات حية تبلور الفنّ الإسلامي بمعناه الواسع، وتشتمل على كنز فني وثقافي ذي قيمة نادرة نجده غالبا في النحت على الخشب والجبس والحجر والأعمدة والأقواس، إذ يعود تاريخه إلى أزيد من 300 سنة.

ويحكي هذا المسجد التاريخي قصة حضارة الأمة المغربية، خاصة حقبة الدولة العلوية الشريفة، ما يعكس القيمة المتميزة والعناية الخاصة لهذه الصروح الدينية والحضارية وإبداع الفن المعماري، الذي يجمع بين ثقافات وحضارات مختلفة، حتى أصبحت لهذه الصروح رمزية عمرانية مهمة في شمال إفريقيا.

بقيت الإشارة إلى أنه سيرا على نهج أسلافه الميامين، أولى الملك محمد السادس عناية خاصة وموصولة لـ”بيوت الله”، إذ أولى عناية خاصة للمساجد بصفة عامة وللمساجد التاريخية بصفة خاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *