تعدّ “الزاوية الكتانية الكبرى” أول زاوية كتّانية بُنيت في فاس، وكان ذلك حومة “القطانين”، وقد أسّسها أبو المفاخر الشيخ محمد بن عبد الواحد الكتاني (ت. 1289 هـ/ 1872 م) وهو شيخ الطريقة المحمدية الكتانية.

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..

لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.

بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.

تعدّ “الزاوية الكتانية الكبرى” أول زاوية كتّانية بُنيت في فاس، وكان ذلك حومة “القطانين”، وقد أسّسها أبو المفاخر الشيخ محمد بن عبد الواحد الكتاني (ت. 1289 هـ/ 1872 م) وهو شيخ الطريقة المحمدية الكتانية.

وفي عهد الشيخ أبي الفيض محمد بن عبد الكبير الكتاني (ت. 1327 هـ/ 1909 م) وهو شيخ الطريقة الأحمدية الكتانية؛ ازدهرت الزاوية الكتانية وأصبحت مأوى لعلماء المشرق الواردين على فاس وزعمائه الفارّين إليها، مثل علي بن ظاهر الوتري ومحمد بن علي الحبشي وعبد الكريم مراد وخير الدين التونسي… إلخ. فأضيف إلى تدريس مختلف العلوم الشرعية فيها تدريس العلوم العـصريـة (جغرافيا وتاريخ وغيرهما) وأصبح لها دور مهمّ في الحياة العلمية والدعوية والسياسية.

وقد امتدّت الزاوية في عهد الطريقة الأحمدية الكتانية. وللزاوية الكتانية عدة فروع في المغرب والمشرق، زادت في حياة الشيخ أبي الفيض على المائة، أهمها الزاوية الكتانية في مراكش ومكناس وسلا وتطوان والرباط. وكان للزّاوية الكتانية في أزمور وزعير والرّحامنة دور كبير في إلهاب الثورة المغربية المسلحة ضد الاستعمار الفرنسي.

ولعلّ أهمّ ما طبع تاريخ هذه الزاوية “ثورتها” على المخزن مولاي عبد العزيز. وفي هذا السياق كتبت أمينة المستاري في مقال منشور “يحكي الطبيب الفرنسي عن فترة سباق الكر والفر بين مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ، من أجل تشكيل “حركة”. فقد اعتمد هذا الأخير على الدعوة للجهاد ضد الفرنسيين “الكفار” وسانده الأخوة مانيسمان، لكنه عرف تراجع ساكنة الجديدة عن بيعتهم له وعادوا لبيعة مولاي عبد العزيز لذلك قرر مولاي عبد العزيز توجيه الحركة نحوهم، قبل أن يُغيّر وجهته نحو زاوية بن ساسي والقلعة، ومنهما إلى مشرع الشعير أو “مشرع بن عبو”، ليقيم محلته على وادي أم الرّبيع.

في دجنبر 1907 اندلعت ثورة في فاس بقيادة عبد الكبير الكتاني، رئيس الزاوية الكتانية، وكان يطمح لأن يفوز بالبيعة بدلا عن مولاي عبد العزيز، الذي أعلن زواله من الملك. وفي 1908 دعي الشرفاء والعلماء إلى ضريح مولاي ادريس لاختيار خليفة للسلطان، لكنّ الكتاني صدم بعد بيعتهم مولاي عبد الحفيظ بشرط الجهاد ضد الفرنسيين والتنكر لـ”ميثاق الخزيرات” ومنع الأوربيين من الإقامة في المدن الداخلية.

وشكّل العلماء لجنة ثورية يرأسها الكتاني اتخذت إجراءات ضد أسر مخزن مولاي عبد العزيز، كالغرامات واعتقال أتباعه، كما تشكلت حركة لمنع الفرنسيين من الوصول إلى فاس عبر وجدة وأنشأت صحيفة رسمية وأغلقت دور الدعارة وأزيلت المراكز الأوربية… وفي 10 يناير سارت مكناس على درب فاس رغم مقاومة الباشا بن عيسى.

في يناير 1908 كان الوضع مزدوجا، فمولاي عبد العزيز لا يزال السيدَ في المدن الساحلية ولو بالاسم على الأقلّ، باستثناء آسفي وسهول الغرب الساحلية والقصر وجزء من دكالة وفخدة من الرحامنة والبرابيش وقسم من حاحا والشياظمة وإداوكلول، أما المناطق الداخلية فكانت قبائل تادلة وفية له أيضا. أما مولاي عبد الحفيظ فكانت له تبعية معظم مناطق الحوز وعاصمة الجنوب وآسفي وسهل مراكش، وتمت بيعته في فاس ومكناس وتافيلالت وكان له أنصار في طنجة.

كانت بين السلطانين فروق بسيطة، لكنّ كفة أحدهما كانت قابلة لتعلو بمساندة فرنسية، ولم يكن ذلك طبعا في كفة مولاي عبد الحفيظ، الذي نادى للجهاد ضدها، لذلك كان مولاي عبد العزيز يتوسل مساعدة فرنسا لنجدته، وفق ما حكى الجاسوس الفرنسي، لكن البرلمان الفرنسي عارض التدخّل في السياسة الداخلية للمغرب.

وقد استرجع المؤلف بعض الأحداث أثناء قيادة الجنرال داماد، الذي أذعن لأوامر باريس ولم يعترض تحرّكات مولاي عبد الحفيظ نحو الشرق، والذي أجرى مفاوضات مع القائد عقا أوحمو الزياني، واستمر في تحرّكاته وبلغ عاصمة جده مولاي إسماعيل، ثم وصل فاس ودخلها على منوال السلاطين يهتف به سلطانا للجهاد.

لكن الأمر لم يكن سهلا بالنسبة إلى مولاي عبد العزيز، الذي منع من المرور بأراضي الشاوية بعد أن اعترضه الجنرال ماداد لكون هذا الجزء تحتله فرنسا باسمه (السلطان) وهو ظلم ارتكبته فرنسا في حق صديقها السلطان الشرعي، يؤكد الطبيب في مؤلفه “على عتبة المغرب الحديث”، فلم يكن من السلطان سوى العودة أدراجه عبر طريق زعير الوعرة، وتلقاه أهلها بحفاوة .

وفي 24 يوليوز بلغ مولاي عبد العزيز “صخرة الدجاجة”، التي كان قد حط بها سابقا، ووقف بها للتفاوض مع قبائل تادلة وبني مسكين والسّراغنة، التي تمرّدت على مولاي عبد الحفيظ وأوقعت الهزيمة بمحلته، ما منح المخزن شجاعة وتفاؤلا بدخول مراكش، خاصة وقد فسدت العلاقة بين المتوكي ومولاي عبد الحفيظ. وكان السلطان الشعري كلما تحرك التحق به الرجال، وجاءت قبائل تادلة لتقديم الولاء له في “صخرة الدجاجة”، وكلت بالدفاع عن أراضيها من هجوم زايان.

وفي فاتح غشت، نزلت المحلة بضفاف أم الربيع، وأرسلت بعض القبائل (البرابيش، فخدات من الرّحامنة) تعرض الاستسلام، لكن المفاوضات فشلت بسبب النهب الذي تعرّضت له دواويرها من قبَل سوقات الشاوية، ليعود السلطان مولاي عبد العزيز إلى مشرع بن خلو، وعبر أمّ الربيع، بينما كان السراغنة يبذلون جهدا في دفع هجومات مولاي عبد الحفيظ.

وصل مولاي عبد العزيز القلعة فوجدها قد تعرضت للتخريب وأسر رجالها عند مولاي عبد الحفيظ، في الوقت الذي كانت المحلة الشريفية قد بلغ عددها 6 آلاف من الرجال، أرسل منهم 1500 لمهاجمة القوات الحفيظية التي يقودها عمر السكتاني، الذي كان ينوي مباغتة السراغنة، لكنه هُزم وفرّ إلى ضواحي دمنات وأُسر عدد من الأسرى.. ولم يبق سوى إلحاق الهزيمة بعلال الكلاوي، قائد دمنات، الذي كان يسير في ذلك الوقت نحو القلعة.

تمكّن مولاي عبد العزيز من تنظيم جيشه، لكن عند لقاء الخصم وقع ما لم يكن في الحسبان، وتشتّت الجنود في الجناح الأيسر والأيمن وتملّكهم الهلع بعد إطلاق الطلقات الأولى، لكن السلطان استمر يدافع عن نفسه ولم يكن أمامه في الأخير سوى التراجع، بعد أن بقي معه قلة قليلة من الفرسان، كمحمد القري والدكتور فيردون وقدور بن غبريط، يحميه الملازم أول ماريشال من البعثة العسكرية والعقيد المدرب الإنجليزي بَالْدين.

فرّ مولاي عبد العزيز ومن معه من وابل من الرصاص في اتجاه الشمال، عبر السراغنة وأم الربيع وبني مسكين، وصولا إلى كيسر، حيث تلقته تجريدة فرنسية. وفي 21 غشت وصل السلطان إلى الدار البيضاء وأعلن تنازله عن العرش.

بعد أن علم البارون لانكن، المكلف بشؤون السفارة الألمانية، خبر تنازل السلطان، نبّه وزارة الخارجية إلى ضرورة الاعتراف بمولاي عبد الحفيظ لكونه ضامنا لتهدئة المملكة الشريفة.

وقام الفرنسيون بمطالبة مولاي عبد الحفيظ بالاعتراف بـ”ميثاق الخزيرات” وغيرها من الاتفاقات والتنكر للجهاد ضد فرنسا وتسوية مشرّفة لمولاي عبد العزيز ومخزنه، فإذا قبل كل ذلك ضمنت له اعتراف إسبانيا أيضا. وفعلا، وافق السلطان الجديد على الاتفاق، لا سيما وقد سارع المتوكي إلى مسالمته، ليستقبل مولاي عبد الحفيظ بالترحاب والحماس الشعبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *