قد روى البخاري هذا الحديث عن أبي هريرة من طرفين، وروي عن أنس حديثا بهذا المعنى ولكن ينقص: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الأحاديث)

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

عُرف المغرب، منذ عهود، بإسلامه المعتدل، الذي يمتح من ينابيع قيَم التسامح والتكافل والتعاون التي طبعت الإنسان المغربي الأصيل، قائما على ركائزَ متينة تقوم على السجيّة المغربية، التي يسير وفقها كلّ أمر في الحياة بـ”النية“…

“Le12.ma” اختارت لكم وقفات مع ثلّة من الأقلام المغربية التي أغنت ريبرتوار الكتابات التي تناولت موضوع الإسلام المعتدل الذي انتهجته المملكة منذ القدم، والذي أثبت توالي الأيام وما تشهده الساحة السياسية الدولية أنّ هذا الإسلام “على الطريقة المغربية” لم يكن بالضّرورة قائما على “الصّدفة (النيّة) بل تحكمه أعراف وقوانين وتشريعات واضحة المرجعيات والخلفيات وواعية تمامَ الوعي بأنّ الإسلام دين عسر “يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” وبأن “الإسلام دينُ يُسر وليس دين عُسر” وأنْ “ما شادّ أحدَكم الدين إلا وغلبه“..

ونشير إلى أن هذه المقالات منشورة في الموقع الإلكتروني لمجلة “دعوة الحق“.

قد روى البخاري هذا الحديث عن أبي هريرة من طرفين، وروي عن أنس حديثا بهذا المعنى ولكن ينقص: (إياكم والظن فإن الظن أكذب الأحاديث) وزيادة: “ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام” في آخر الحديث، مع اختلاف يسير في ما بقي، ورواه مسلم كلفظ البخاري عن أبي هريرة أيضا.

الظن: يطلق على اليقين أحيانا كما جاء في قوله تعالى: “وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وإنهم إليه راجعون”، وقوله: “إني ظننت أني ملاق حسابية”. ويطلق أحيانا على ما يقابل اليقين كقوله تعالى: “وما لهم بذلك من علم، إنهم إلا يظنون” وقوله: “إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين”. والظن، الذي هو يقين، لا يحدث إلا عن أدلة وإمارات. أما غير اليقين فإنه حديث النفس، ينبعث من غير دليل. وهذا النوع الثاني قد يكون ظن خير، كأن تظن بإنسان حبا للخير فتقصده، ليعاون في الإسهام في إنشاء مؤسسة خيرية. ومن ظن الخير ظنوا أن الحكم الشرعي في حادثة ما إذا استندت إلى دليل ظني، وقد يكون ظن سوء، كأن تظن بفلان سوء السيرة أو أنه يدبر لك مكيدة أو أنه خائن لبلاده وليس عندك دليل أو ما لا يصح أن يكون دليلا، كشائعات كثيرة ما تكون مختلفة.

ونحن إذا نظرنا إلى النهي عن الظن نجد أنه لا يمكن أن يتوجه إلى  الظن بمعنى اليقين، إذ لا معنى للنهي عن اليقين مع ورود القرآن به في مثل  قوله: “فتبينوا”. كما أنه لا معنى للنهي عن العمل بما يقضي به اليقين. وعلى ذلك، إذا تيقنت أن حليف الشر وجب عليك أن تقاطعه وتهجره حتى يرعوى. وكذلك لا يتوجه إلى الظن الذي ليس بيقين إذا كان ظن خير ومنفعة. فإذا ظننت في نفسك القدرة على تقديم مصلحة لإخوانك أو لأمّتك لا تكون مخاطبا في هذا الحديث عن هذا الظن ولا الكف عن العمل بموجب هذا الظن.

أما ظن السوء فإنه يكون منهيا عنه إلا في ما يتعلق بمصلحة الظان نفسه، كأن يدعوه هذا الظن إلى الاحتراس من خصمه والحذر من مكائده. ولا يصح أن يتجاوز ذلك، كأن يعمل على الإضرار بمن ظن فيه السوء. وهذا هو المنهي عنه في الحديث.  وليس الغرض النهي عن نفس الظن، هواجس وأحاديث نفسية تهجم على الإنسان ولا قبَل له بدفعها بادئ ذي بدء ولا تكليف بما لا يطاق، ولذا روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “تجاوز الله للأمة عما حدثت به نفسها”.

وروي عنه: “ثلاثة لا يسلم منها أحد، الطيرة والظن، والحسد”، قيل فما المخرج منها يا رسول الله “ص”؟ قال: “إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغِ”. بل الغرض النهي عن الاسترسال في الظنون الشريرة والنهي عن العمل بموجبها فإن الاسترسال فيها قد يدفع الإنسان بمن ظن به السوء رغم أنه قد يكون بريئا.

لذا أمر الله باجتناب كثير من الظنون، فقال: “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم”، وقال: “إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”. فقد علل الأمر باجتناب الظن في الآية الأولى بأن بعض الظن إثم، الذي قد ينجم عنه من الإضرار ما يزرع العداوة ويفرق الوحدة، التي كثيرا ما حث الإسلام على التمسك بها، وعلل أمره بالتبيين في الآية الثانية بخشية أن يصيب غير المثبت قوما أبرياء بسبب جهله بالحقائق التي تخالف هذا الظن الكاذب، نتيجة للسماع من هذا النمام الفاسق.

وحينئذ تبين لنا أن الظن المنهي عنه هو الظن الناشئ عن هوى وشهوة أو عن دسيسة دساس، وأن النهي عنه يقصد به النهي عن الاسترسال فيه استرسالا يدفع صاحبه إلى إيذاء المظنون به في نفسه أو رزقه أو عرضه، وبالتالي يكون نهيا عن الإضرار بهذا الظنين أخذا بهذا الظن الذي لا دليل عليه وأما العمل بمثل هذا الظن في خاصة نفس الظان، كالاحتياط من الخصم والحذر منه، فلا يراد النهي عنه، ولذا قيل: “أحزم الحزم سوء الظن بالناس”  وقيل “سوء الظن عصمة”. كما أنه لا يتجه النهي عن الظن الذي لا ضرر فيه لأحد، كأن تظن أن فلانا لم يسافر أو أنه فعل ما قد كلفته به أو أنه ليس يعرف ما تريد سؤاله عنه أو نحو ذلك. وقد روي البخاري عن عائشة أنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم، “ما أظن أن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا”، قال الليث -وهو من رواة الحديث- كانا رجلين من المنافقين.

وبعد أن حذر من الظن تحذيرا دل على النهي عنه بقوله: “إياكم والظن” قضى على ذلك ببيان العلة التي اقتضت هذا النهي فقال: “فإن الظن أكذب الحديث”، والذي كما نعرف نقيض الصدق. فإذا كان الصدق مطابقة الخبر للواقع كان الكذب عدم مطابقته للواقع، ومنه قولهم: “كذبتك عينك”، أي أرتك ما لا حقيقة له.

والحديث: حديثان: حديث اللسان، وحديث الجنان، والكذب في الحديث يطلق في الأصل على الكذب في حديث اللسان، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلقه على حديث الجنان أيضا على سبيل التجوز، لأن كلا من الحديثين لا يعتمد على شيء يصحّ الاعتماد عليه عند التحدث، وهو الأمر الواقع بالنسبة إلى حديث الجنان المنهي عنه، وهو الظن السيئ بالناس، أكذب الحديث، لأن الكذب اللساني لا يجزم صاحبه بأنه حقيقة فيجزم به ويبني عليه تدبيراته الضارة بالمظنون به، فضلا عن أنه أشدّ لخائفه عن الناس، فلا يمكن الاتقاء منه. أما الكذب فإنه لا بد أن يظهر فيُتّقى، ولذلك كان أجدر بالذم والتنفير منه وصفه بأنه أشدّ الأحاديث كذبا.

وبعد أن نهي عن الظن السيء والعمل بما يقتضيه من أضرار بالمظنون به وبيّن علة ذلك، مع العلم بأن الظن من غرائز النفوس البشرية ومشتهياتها في كثير نمن الأحيان، عطف عليه نظيره ما تصبو إليه بعض النفوس لأنه من طباعها الشريرة، فنهى عنه كما نهى عن صاحبه، فقال: “ولا تَحسَّسوا”. وهذه الكلمة ترجع إلى مادتها إلى الحس، يقال: تحسّس من كذا، أي عالج علمه بحاسة من حواسّك وتكلفه باستخدام هذه الحواس، كالعين والأذن،. ثم توسع في هذا التعبير فصار يطلق على العناية بكشف الأشياء، والمراد هنا: إنما هو النهي عن تتبّع عورات الناس من أي طريق بغية أن ينشرها أو تكون لهم وسيلة إلى التشهير بأصحابها متى شاءوا. ومما يؤيد ذم هذا قول الله عز وجل : “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا الآية”. وبعد هذا عطف عليه النهي عن التجسس فقال “ولا تجسّسوا”، والتجسس مأخوذ من الجسّ باليد، وهو اللمس بها، لاختيار الشيء. ثم استُعمل في تعرف في تعرف الشيء بالنظر الحاد، قالوا: جسّه بعينه، إذا حدد النظر إليه. ثم صار يستعمل في العناية بتعرف أي بشيء. والذي يظهر أن المراد من التجسس هنا هو التكرار للمبالغة في الزجر، وبعضهم جعل التحسّس بالبحث عن هذه العورات لنفسه، والتجسس البحث عنها لغيره، وهو متمشّ أيضا مع سياق الحديث.

فيكون النهي متجها للبحث عن العورات لنفسه أو لغيره، ولكن هذا لا يكون على إطلاقه، بل يجوز التجسس والتحسس إذا تعين طريقا لمصلحة، كإثبات دعوى أن تعرف مواطن الضعف من الأعداء في الحروب فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمل الجواسيس على أعدائه في الحروب.

ثم نهى بعد ذلك عن خلة أخرى تعد من الطبائع البشرية هي “الحسد” فقال: “ولا تحاسدوا”، أي لا يحسد بعضكم بعضا. فيتمنى زوال النعمة عن غيره، لأنه لم يرزق منها، سواء كان ذلك مع تمني أن تتحول إليه أم لا. وهذا داء وبيل، يغرس البغضاء ويذهب بالوحدة في الجماعات، وهو من الأدواء التي لا يمكن دفعها إلا بمجاهدة النفس وعدم الاستمرار في خطورها. فإذا لم يستطع كان عليه ألا يعمل ما يؤدي إلى زوال النعمة عن المحسود. وهذا أقل ما يلزم فقد قال عليه السلام: “ثلاثة لا يسلم منهم أحد… (الحديث)”. وروي عن البصري أنه قال: “ما من آدمي إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبع منه شيء”، ولكن أقول فيه إيلام لنفسه وعدم رضا بالمقدور ودفع لهمته إلى تدبير المكروه للمحسود، فقاوموه ما استطعتم.

ثم بعد ذلك نهى عن التدابر وهو التقاطع فقال: “ولا تدابروا”، وهو مأخوذ من الدبر، ودبر كل شيء مؤخره، ومنه جئتك دبر الشهر، أي آخره، وتدبرت الأمر إذا نظرت عواقبه. والمراد هنا النهي عن التقاطع، لأن الرجل إذا قاطع صاحبه ولاه دبره وقفاه وأعرض عنه. ثم نهى بعد ذلك عما يزيد الوحدة انفكاكا فقال: “ولا تباغضوا”، أي لا يبغض بعضكم بعضا. ولما كان البغض من الأمور النفسية التي ليس لإنسان قدرة على دفعها ابتداء يكون النهي عن الأسباب المؤدية إلى ذلك، فلا يفعل الإنسان شيئا يزرع البغض في نفس أخيه، ولا يظن بأخيه ما قد يؤدي إلى بغضه هو لأخيه، ولا يتبع الأهواء والنزوات الشيطانية التي تؤدي إلى إضلاله فيزرع بذلك التباغض والعداء. وأصل تباغضوا تتباغضوا، كما أن الأصل في الأفعال السابقة كلها “تتفاعلوا”. وأصل المادة يدلّ على التعمل والتكيف والمعالجة، أي لا تتكلفوا كل ذلك بعمل ما يكون سببا في وجودها فابتعدوا عنه، وإذا لم تستطيعوا فلا تعملوا ما قد يترتب عليه من أضرار. وليس كل البغض مذموما، فإن بغضك لصاحبك لحق الله وحق الإنسان مما يثاب عليه، فقد كان الرسول لا يبغض إلا لله ولا يحب إلا لله، كما ورد في الآثار

وبعد ذلك قال: “وكونوا عباد الله إخوانا”، أي كونوا كالإخوان في النسب من حيث الشفقة والرحمة، والمواساة وحسن المعاملة، وكف الأذى وحب الخير. وعلى الجملة، كونوا متصفين بجميع ما يحقق الأخوة ويؤدي إلى أن تكونوا كتلة واحدة مرهوبة الجانب، فإن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضا.

ومما تقدّم يتضح لنا أن الكلام جاء على التشبيه كما قيل: “إخوان الوداد أقرب من إخوان الولادة” كان لنا أن نفهم أن الإسلام ورد مورد الحقيقة. وعطف هذه الجملة على ما قبلها من عطف العام على الخاص، فإن الإخوة تتضمّن الاتصاف بضد ما نهى عنه وبغيره منكل ما يحقق الأخوة. ورأى ابن حجر أنّ “هذه الجملة كالتعليل لما سبقها، ولكن العطف بالواو ووجود الأمر “كونوا” يبعد ذلك”. وقد زاد مسلم في رواية له لهذا الحديث قوله: “كما أمركم الله”، أي كونوا إخوانا كما أمركم الله، وذلك لأن أمر الرسول أمر من الله لقوله تعالى: “أطيعوا الله وأطيعوا الرسول”، أو للإشارة إلى قوله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة”. وهذه الجملة وإن كانت إخبارا عن الحالة التي شرعت للمؤمنين فهي بمعنى الأمر، أي فهي إنشائية.

وبعد ذلك نذكر أن بعض العلماء زعم أن صدور هذا الحديث وهو قوله: “وإياكم والظن” ينهى عن العمل في الأحكام الشرعية بالاجتهاد والقياس الذي يسمونه الرأي. ولا أدري كيف يتأتى هذا الفهم من الحديث؟ مع أن الاجتهاد والقياس في الأحكام الشرعية إنما يكون عن دليل ونص ورد فيه الحكم المقيس عليه، مع أن الظنون كما تقدم لا تعتمد على أدلة ولا إمارات. بل كيف يتأتى هذا مع قوله بعد: “فإن الظن أكذب الأحاديث”؟.. فهل الاجتهاد عن دليل يقال فيه أكذب الحديث؟ وعلى فرض صحة ذلك فكأن الرسول يكون قد قال: “وإياكم وظن الأحكام الشرعية التي يكون لكم منها النفع في دينكم ودنياكم، ولا تحسسوا ولا تجسسوا… (الحديث)”. فأي ذوق عربي يجيز هذا القول؟ بل أي فكر سليم يستبيح أن يجعل الرسول كالقائل لمثل هذا؟ وأية رابطة بين النهي عن الاجتهاد والنهي عن التحسس؟… إلخ. ما عدا الأفكار التي أعماها التعصّب وحب التغلب الجدلي، ولا يصح أن يقال: إن مرادهم الظن الذي لم يعتمد على من كتاب أو سنة أو إجماع، لأننا نقول: إن الظن المنهي عنه هو الظن السيء أو الذي يؤدي إلى ضرر بالفرد والمجتمع، والاجتهاد المظنون حتى وإن لم يعتمد على هذه الأدلة إنما يراد به النفع.

وخلاصة القول: إن الحديث حوى من الأسس الاجتماعية ما يدعم بناء الأمة ويجعلها مهابة الجانب بين الأمم ويتفق في كل الأخلاق التي تقوي الأمة، حتى تسير قدما في نشر الدين. ونهى عن كل خلق يؤدي إلى الذلة والخنوع، ولذا يقول الله تعالى: “ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”. فانظروا أين نحن من مصداق هذه الآية؟ فكلما ابتعدنا عن تعاليم الإسلام ابتعدنا عن حقيقة الإيمان، فإن الرسول الكريم يقول: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأحيه ما يحب لأخيه ما يحب لنفسه” ويقول: “إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم… (الحديث) ويقول: “لا إيمان لمن لا أمانة له”. وعدد شعب الإيمان في أحاديث متعددة، ولو نظرنا إلى هذه الشعب لوجدنا أنفسنا قد خرجنا منها، فهل يصح لنا أن نقول: كيف أن يتحقق فينا وعد الله” ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا”؟ حاشا أن يخلف الله وعده، ولكننا الذين أخلفنا.

فما أحرانا أن نكون على الجادّة التي أمرنا الصادق المصدوق بها، إذ يقول: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقده، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه، التقوى ها هنا وأشار إلى صدره”، وحيث يقول: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وحيث يقول: المسلم من سلم المسلمون… (الحديث) وحيث يقول “والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم”. وليس المراد هنا أن يقال: السلام عليكم، بل يراد نشر الإسلام والأمان بين المؤمنين حتى يثمر التحابّ، ولا تقولوا ولا تقولوا كما يقول المتأولون يكفي في الإيمان الذي يدخل الجنة مجرد الشهادتين.

أما الأوصاف التي ذكرت في هذا الحديث وأمثالها فإنها خاصة بمن كمن إيمانهم، فإن ذلك يكاد لا يتفق مع قوله: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ثم بين المراد من الإيمان، ولقد أحي ابن سيرين لما قيل له”: “أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟” حيث قال: “أرأيت لو جئت بمفتاح ليس له أسنان أكان يفتح لك؟ وماذا تقولون في رجل آمن بلسانه ثم اتخذ الأعداء لإذلال المسلمين نظير دراهم معدودة أو سلطان زائل فإذا امتصوا منه ما يبلغهم ما يريدون لفظوه لفظ القدارات، أتقولون: إنه ما دام قد قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله (ص) مع أنه لم يعمل بموجبها يكون ممن يشمون نسيم الجنة”؟ اللهم إن هذا طمع قد فاق طمع أشعب، وباعثه أمران: عدم المبالاة بوعيد الله، وسوء الذوق معه.

اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم بالفقه في الدين والوقوف على حدود اليقين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *