تُعدّ الطريقة الحراقية من الطرق الصوفية التي حافظت على استمراريتها ونشاطها منذ تأسيسها الى يومنا هذا، بحيث لعبت دورا رائدا في ترسيخ أسس التربية الروحية، وتوجيه المريدين الى طريق خير البرية.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
“المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..
لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.
بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزّوايا والطرق الصّوفية في المغرب.
في درب “والزهراء”، و”والزهراء” هذا هو أحمد بن يحيى الأندلسي من الوجهاء وأهل الحلّ والعقد أيام كان الرّباط جمهورية يحكم نفسه بنفسه أواخر الدولة السّعدية.
بيته من أنبل البيوتات الرّباطية، تتلمذ على يد جمهور من علماء الرّباط، مثل أبي الوليد التجموعتي.
ولازم الشيخ العكاري واستجازه فأجازه بتاريخ 21 رمضان 1108 هـ (ونص الإجازة موجود في كتاب “الاغتباط بتراجم أعلام الرّباط” لمحمد بوجندار).
ومن مآثره في الرّباط المدرسة الموجودة داخل الدرب المعروف بـ”درب والزهرا”، وهي مدرسة لطيفة تشتمل على عدة بيوت وميضأة ومسجد ومنارة صغيرة. وكانت مدرسة حرة تنافس المدارس الاستعمارية أثناء عشرينيات القرن الماضي كإنقاذ للنشء من الميوعة والتفرنُس.
وأصبح يطلق عليها مؤخرا اسم “الزّاوية الحراقية” نسبة إلى الشيخ العلامة العارف بالله أبي عبد الله محمد الحراق (ت. 21 شعبان 1261 هـ).
وكان يجتمع فيها المنتسبون إلىالزّاوية للقيام بوظائف الذكر. وربّما درست فيها بعض العلوم الدينية. وقد دفن في الزّاوية الصالح سيدي أحمد بن عاشر الحداد (لقبا) (المتوفى في ثاني ربيع الثاني عام 1326 هـ)، وهوغير ابن عاشر السلوي.
وفي زنقة “والزهرا” توجد دار المؤرخ بوجندار، التي أصبحت ناديا منذ أن شلت رجلاه يحضرها كثير من العلماء والدباء وطلبة العلم.
وكان مقدم الطريقة الحراقية الحاج بوشعيب الجزولي (ت. 1327 هـ -الاغتباط، ص. 262) من كبار الموسيقيين والمدّاحين، وهذا مظهر من إسهام الزّاوية الحراقية في كل من الرّباط وتطوان في الإبداع الموسيقي.
هذا أصل الزّاوية الحراقية أو زاوية الحراق، وهي زاوية ومسجد ومعلمة دينية صوفية توجد في مدينة تطوان.
تعدّ من أهم المواقع الدينية في المدينة القديمة لتطوان واشتهرت، علاوة على وظيفتها الدينية، باهتمامها بالطرب والموسيقى الدينية، خصوصا المديح النبوي.
وهي المقرّ الرئيسي للطريقة الحراقية التي أسّسها محمد الحراق في النصف الأول للقرن التاسع عشر (بنيت بين 1244 و1245 هجرية/ بين 1829 و1830 م).
ترجع أصول محمد الحراق إلى مدينة شفشاون، التي ولد فيها في 1772. انتقل إلى فاس لطلب العلم في جامعة القرويين وتخرّج منها عالما. اشتهر في فاس بمجالسه العلمية التي كان يحضرها أناس من مشارب مختلفة (أعيان، علماء وطلبة علم). وكانت حلقاته العلمية غير نخبوية، إذ كانت مفتوحة للأغنياء والفقراء جنبا إلى جنب.
ولمّا بلغت شهرته السلطان المولى سليمان، أمر بتعيينه لإلقاء الدروس العلمية في جامع تطوان الأعظم، بعد إعادة بنائه وتوسيعه من قبَل السلطان. وهناك استمر في إلقاء دروسه وتأطير حلقات ذكر وتصوف وُوجهت بمعارضة من القاضي الحايك خطيب المسجد الذي كان يرفض أشكال التصوف المرافقة بالجذب والرقص داخل المسجد.
تُعدّ الطريقة الحراقية من الطرق الصوفية التي حافظت على استمراريتها ونشاطها منذ تأسيسها الى يومنا هذا، بحيث لعبت دورا رائدا في ترسيخ أسس التربية الروحية، وتوجيه المريدين الى طريق خير البرية.
وقد أسس هذه الطريقة الشيخ سيدي محمد الحراق، بعد انتقاله من فاس بأمر من السلطان المولى سليمان ليعمر المسجد الأعظم الذي كان قد أعيد بناؤه، بحيث عمل على إلقاء الدروس العلمية في المسجد المذكور، “وقبل أن يبني الزّاوية كان يكتفي بأن يحضر هو وأصحابه ويجتمعوا في المسجد الأعظم، وهناك كان يذكرهم ويرشدهم، وقد طاب المجلس ذات يوم وانتشى الحاضرون ومن أثر ما يسمعونه من الشيخ من الإسرار الجديدة التي كان يفتح الله عليه بها، فقام بعض الحاضرين يوجدون، وكان القاضي الحايك بالمقصورة من الجامع الكبير فلما سمع حس الذكر والرقص قبض في يده عصا الخطيب وخرج مرتاعا قاصدا الحلقة، فطفق يضرب الفقراء وهم يرقصون، فغضب الشيخ الحراق وأمر أصحابه بالانصراف الى الدار، فلما اجتمعوا قال لهم “من كان منكم ملصقا بالعجين فليسقط”.
ثم ترك الشيخ الموضوع الذي كان يدرسه من التفسير، وطفق من الغد يفسر قول الله تعالى “ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها“.
وانطلاقا من هذه الواقعة تعلقت همة الحراق باتخاذ زاوية يجتمع فيها الفقراء للذكر والمذاكرة دون أن يكدر عليهم وقتهم أحد، وهكذا أخذ يتخير الأمكنة الصالحة لإقامة الزّاوية ” استخار الله في ذلك وطلب منه سبحانه أن يهديه الى المكان المناسب، فكشف الله له عن عمود من النور قائم من الأرض، ثم ارتفع الى السماء فأخذ يتبع العمود إما بالهمة والفكر والإرادة، وإما بالقدم والسعي، فإذا بالعمود يصعد من أسس الزّاوية الحالية اتجاه باب المقابر من تطوان“.
وقد كانت هذه القطعة عبارة عن خربة الى أن بناها أحد أصدقاء الشيخ الحراق ويقال له “توكورت“..
“ومن الممكن أن تكون الزّاوية التي أنشئت أولا عقب الرؤيا بنيت صغيرة في بقعة كانت خربة، ةثم بعد ذلك زاد فيها الفقيه توكورت ما زاد فصارت من أكبر زوايا تطوان.
وهكذا تكون هذه الزّاوية قد أسست بين 1244 -1245 هـ، أي في النصف الأول من القرن الـ19، وما زالت هذه الزّاوية الأكثر شهرة في المدينة العتيقة لكونها تلقى الدعم من أهمّ عائلات تطوان، “وقد تميز الشيخ محمد الحراق بشخصية مهذبة ومجددة مما أعطاه شعبية كبيرة، كان شديد الولع بالرقص، حيث قام بتشجيع ودعم الطرب الأندلسي، الذي أدخل عليه آلات موسيقية محددة“.
ويمكن تقسيم الزّاوية الى ثلاثة أقسام: القسم السفلي للميضأة، والقسم الثاني للصلاة وذكر الأوراد والهمزية، أما القسم الثالث فخصص للنساء. وقد شهدت عدة توسيعات كان أهمها، شراء منزل مجاور للزاوية من قبَل شيخ الطريقة (الحالي) الغالي الحراق وإضافتها إلى الزاوية بعدما ضاقت على الفقراء، وكان ذلك حوالي 1984. وفي الزّاوية ضريحان، الأول وهو الذي يوجد تحت قبة صغيرة ذات أربعة أضلع، محمولة على أربعة أكتاف ومزخرفة من الداخل ومسيجة بالحديد، وهذا الضريح هو لصاحبه الشيخ محمد الحراق، والى جواره حفيده إدريس. أما ضريح سيدي عرفة الحراق فيوجد على بعد 5 أمتار تقريبا من الضريح الأول.
وللزاوية جمالية خاصة تمثلت في تزيين جنباتها بالزليج والسقف بالجبس المنقوش والمصبوغ، أما الارضية فافترشت بالزرابي. كما يلاحظ وجود مجموعة من القبور المنتشرة بجنبات الزّاوية والتابعة في غالب الأحيان لعائلة الحراق، كما وضع بالسقف مجموعة من “المونطيرات” قصد الإضاءة والتشميس.
وتتوفر الزّاوية على محرابين صغيرين على شكل دخلة لا تتجاوز 40 سنتم، زُيّنت واجهاتها بنقش على الجبس على شكل شبكة المعيّنات، أما فتحة المحرابين فتتمثل في ثلاثة عقود متراكبة أولها وثانيها من العقود المفصصة (الخرسنة). أما الأخير فاتخذ الشكل المنكسر المتجاوز، وقد تم الحفاظ على المنبر
الأصلي الذي كان يخطب عليه شيخ الطريقة بجامع العيون، وعموما فزاوية الحراق تعدّ من أنشط الزوايا وأكثرها شعبية. كما تعدّ من أجمل زوايا المدينة.