نزور المَدينة لأول مرة، ونحصُل على صُورَة لوُجوه لم نكن نراها سوَى بالضّاية لكبيرة، أو عندما تنعكس بعمق المَطفي عندما كنا نورد الموَاشي والدوَاب وبعضَ الإبل
حسَن الرّحيبي
لاَ زلتُ أذكر يَوم الأحد فاتح فبرَاير سنة 1963 عندما كلفت إدارَات المدَارس باثنين الغربية، وعموم مدارس دكالة بتنفيذ قرار صَادر آنذاك عن وزارة التّربية الوَطنية والتّعليم، بضَرورَة توفر كل تلميذ على فيشة بها اسمه بالعربية والفرنسية مع رقم التّسجيل.
(كان رَقمي 384) وصُورَة شمسية إذ لم نتقدم أبداً لاستوديو تصوير ، والذي كان موجوداً فقط بالجَديدة يديره المرحُوم عبد اللّه الصّوّار المشهور آنذاك بالجديدة وسيدي بنّور ، ومول الدريجات المطل على ساحة سيدي بو الذهب ومرسىٰ آسفي وقصر البحر الشهير كمركز لقائد الاحتلال البرتغالي نونيو غوميز ذي أطايدي الذي قتله رحّو بنشحمُوط بمنطقة اولاَد عمرَان بقذيفة حجر رماها مثل الصّاعقة ، فأصَابت القائد العسكري بمقتل وتفرقت الجموع ، وخللّصَ زوجته إيطّو العُمرَانية الجميلة من الأسر والبيع بأسوَاق النخاسة بلشبونة أو مَاضيرَا أو الآصُور ..
كان ذلك سنة 1516 ..
استيقظنا باكراً قبل الفجر بعد أن أعدّت أمي خبزاً أبيضَ متميزاً بالمُناسبة السّعيدة، إذ سَنضرب عُصفورَين بحجر واحد:
نزور المَدينة لأول مرة، ونحصُل على صُورَة لوُجوه لم نكن نراها سوَى بالضّاية لكبيرة، أو عندما تنعكس بعمق المَطفي عندما كنا نورد الموَاشي والدوَاب وبعضَ الإبل..
لم نكن نتفاجأ بصُورتنا الجميلة كما فعل الحطيئة عندما فاجأته صُورة وجهه القبيح ليبَادر بهجوه:
أبَت شَفتاي اليَوم إلاّ تكلماً
بسُوء، فلاَ أدري لمَن أنا قائله
أرىٰ لي وجهاً شَوّه اللّه خلقه
فقُبّح من وَجه وقُبّح حَامله!
قبل وصُولنا لاثنين الغربية والظلاَم الدامس يبيط سلطانه، رأينا جحافل من الآباء والأطفال يشدون الرحال إما شمالاً زحو الجديدة، وإما جنوباً نحو آسفر حاضرة قبيلة عبدة والمحيط الأطلسي..
اكتظاظ كبير على الطاكسيات والشاحنات، كثر اللّغط والأخذ والرد، فكان من نصيبنا كاميّو المرحوم الحاج امحمد بلعالية.. شاحنة من نوع بيرليي المغرب خضرَاء..
ظل يتحايل على الطرق تلافياً لسدود الدرك الملكي .
ليمر على لاربعة مول البرݣي وحد حرارة ويلفظنا على مشارف المدينة التي كنا نرى شفق ضَوئها ونسمع مدفعنا وَاضحاً خلال أذان الإفطار لشهر رمضَان..
لكن هذه المرة سنراها رأي العيان، وبشحمها ولحمها.. فانبرينا للطريق نطويها طياً بأحذيتنا المهترئة، وبلاغي آبائنا العملاقة ليتفاجأ سكان المدينة الهادئة خلال ذلك الصّباح الربيعي الجميل، دخلناها فاتحين كما فعل عقبة ابن نافع، مما جعل الناس يتساءلون:
مال هاذ العروبية مصَدّعينا على الصّباح؟
لما عرفوا هدفنا بدأوا يتهافتون علينا.. تعالوا عد مول الدّريجات كيصَوّر مزيان..
بينما امرأة كالتي على الصّورة كانت تحرّضُنا على الذهاب عند ليهودية..
تعالوا عَد ليهودية كتصَوّر مَزيان.. مُول الدّريجات كيحرݣ التّصَاور !
وجدنا طوابير تتقدمنا حتى غبنا عطشنا فدخلنا لمارشي الحوت، لنشرب من أحواض غسل السمك عوضَ الحنفيات التي كانت بارزة للعيان تكاد تقول خذوني