خلاصات مهمة في تقرير الهاكا لسنة 2023، حول واقع وتحديات الإعلام الوطني، في ظل التطورات والجارية والإكراهات المفروضة.
وتعميما للفائدة تنشر جريدة le12.ma، نص خاتمة خلاصات مهمة في تقرير الهاكا لسنة 2030:
جريدة: le12.ma
تستدعي التحولات المهنية التي تعرفها وسائل الإعلام المغربية في سياق المنظومة الإعلامية الشمولية الجديدة المتسمة بسطوة المنصات الرقمية العابرة للحدود على سوق الخبر والترفيه وبشكل متزايد على الواجب إلى المعرفة، تدخلاً عموماً هيكلياً يتجاوز الحلول الاعتيادية والظرفية. لقد بات من الضروري تحديد، عن طريق التقائية التفكير والجهود، وجهة وأفق التطور الذي يتعين أن تسلكه المنظومة الإعلامية الوطنية من أجل رفع التحديات الخاصة بلادنا والانخراط في المشهد الإعلامي العالمي ذي التنافسية القوية والتطور الملموس. هيئات التقنين، متعهدي الاتصال السمعي البصري والسلطات العمومية، يجمعون على التحديات الرئيسية التي يتعين رفعها بشكل عاجل، نذكر منها على الخصوص:
منافسة الشركات الرقمية العملاقة التي تشد حصة متزايدة من انتباه مختلف فئات الجمهور وتؤثر في النقاشات العمومية والقيم الثقافية والاجتماعية؛
انتشار الأخبار الزائفة والمحتويات الحاملة لمخاطر وأضرار تهدد تماسك المجتمعات وأمنها، وتشكل أيضاً تهديداً لمصداقية وسائل الإعلام التقليدية؛
إضعاف النماذج الاقتصادية لوسائل الإعلام، خاصة السمعية البصرية.
تُظهر بشكل جلي المعطيات الصادرة سنة 2025 حول تطور الاستخدامات الإعلامية لدى المغاربة، الرهانات التي يحيل عليها هذا التحول الرقمي. فقد أضحى حوالي 89% من المغاربة يستخدمون الإنترنت، أي ما يعادل 33 مليون مغربي، منهم 71% يستخدمون بشكل نشيط مواقع التواصل الاجتماعي. من ناحية أخرى، باتت هذه المنصات الرقمية المصدر الرئيسي للمعلومة لنحو 65% من مستخدمي الإنترنت في المغرب. توضح هذه الأرقام أنه في المغرب كما في باقي مناطق العالم، يتعين على وسائل الإعلام السمعية البصرية إدماج المعطى الرقمي على جميع المستويات: الإنتاج، البث، التدبير، إلخ.
في ظل هذه التحديات، يتطلب الأمر اعتماد مقاربة معمقة ومدروسة لتدبير التحول الرقمي الجاري داخل قطاع الاتصال. متعهدي الاتصال السمعي البصري، سواء العموميون أو الخواص، يقودون مقاومتهم ضمن دينامية التحول الرقمي هذه والتي من شأنها تحديث نماذجها الاقتصادية، وتمكنها من الإسهام بشكل أفضل في ضمان حق المواطن المغربي في الواجب إلى معلومة مفيدة، موثوقة وذات جودة.
يلاحظ بالفعل التقدّم المحرز في إطار هذا التحول الرقمي الجاري، الذي أتاح لبعض القنوات التلفزيّة والإذاعية المغربية تحقيق عوائد مهنية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تعديد منصات البث، الرفع من منسوب النفاعية، زيادة نسب المشاهدة والاحتفاظ بوفاء الجمهور، إلخ. يبقى إذن إيجاد الوسائل الكفيلة بتوفير الاستفادة من الفرص الجديدة التي يمنحها الفضاء الرقمي لتحقيق عائدات مالية، خاصة من خلال الإعلانات على الإنترنت. لكن سطوة المنصات الرقمية الشمولية على سوق الإعلانات عبر الإنترنت تشكل بالفعل تحدياً كبيراً لجميع الأنظمة الإعلامية عبر العالم. بلادنا مدعوة إلى وضع، وفي أقرب الآجال، إطاراً قانونياً جديداً خاصاً بمختلف أبعاد عمل الفاعلين الرقميين الشموليين.
في الوقت الراهن، ورغم أن النصوص القانونية الجاري بها العمل تحصر نطاق اختصاصاتها في وسائل الإعلام السمعية البصرية، إلا أن الهيئة العليا لا تتأخر عن بدل جهود كبيرة في مجال الوساطة المهنية في علاقة بتأثيرات التحول الرقمي للإعلام والتواصل.
كسائر المجتمعات، يتأثر المجتمع المغربي، بشكل متصاعد، بالمكانة المتنامية التي تشغلها شبكات التواصل الاجتماعي في الحياة اليومية للأفراد والمجموعات. لذا، ما فتئت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري وهي تترافع من أجل تسريع التحول الرقمي للخدمات الإذاعية والتلفزيّة المغربية، تدعو إلى إعمال تمييز واضح وجدي عبر وضع آليات ناجعة للتفتيش الذاتي، بين وسائل الإعلام المهنية الملتزمة والمسؤولة، ومنصات التواصل الاجتماعي التي تفتقر إلى تأطير كافٍ. ذلك أن الامتثال الخوارزمي لهذه المنصات يعزز نظرية «اقتصاد شد الانتباه» دون مراعاة المبادئ الأخلاقية والقيم الثقافية الخاصة لمختلف المجتمعات.
يعتبر احترام مبادئ الحقوق الإنسانية وتعزيز القيم الديمقراطية في المحتويات الإعلامية حقّاً من حقوق المواطن، وتكريس هذا الحق هو المحرك الأساس لهيئة تقنين الإعلام. هذا وتعبر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري عن ثقتها في قدرة المنظومة الإعلامية المغربية على تجديد رباط الثقة بين وسائل الإعلام السمعية البصرية وجمهورها. ولتحقيق ذلك، من الضروري الاعتماد على الابتكار المهني، لاسيما استغلال الفرص الجديدة التي توفرها التكنولوجيات الرقمية. لكن هذا يتطلب أيضاً تطوير وتعزيز صحافة الجودة وإعلام الثقة.
لهذه الغاية، ستواصل الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، كما يقتضي ذلك انتدابها المؤسسي كهيئة مستقلة للتفتيش والحكامة، حرصها على الإنصات الجيد للرهانات الأخلاقية وإنفاذ حقوق المواطنين في مشهد سمعي بصري حن تعددي ومنتصر لقيم التنوع. قوتنا في ذلك، وجود إرادة سياسية حقيقية، يقودها وبرعاها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، لبناء نموذج مغربي لتفتيش الإعلام بحسن ديمقراطي وندوح تنشد مصلحة المواطن.