في طاكسي مراكش، كانت سيدة حديثة الزواج بطلة قصة هذه الرحلة الرمضانية، تقول صاحبتنا لرفيقتها: “قلت له انت خدّام أنا خدّامة! ڭالت ليه.. يْعني اللي سبق للدار يْلبس الطابليّة ويدخل للكوزينة … النهار اللول كيموت المُشّ”.

مراكش: عبدو المراكشي le12

اليوم وجدت كل الركاب ممّن سبقوني إلى “الطاكسي” الكبير بتاء التأنيث.. ثلاثُ راكبات شابات، إحداهنّ في المقعد الأمامي، “غارقة” في هاتفها، والثانية والثالثة شغلتا مقعدين من الثلاثة في الصف الثاني، منخرطتين في حديث مسموع بوضوح، في نميمة نسائية عن الزوج والزواج…

“موضوع الساعة”.. قلت في نفسي. وعلى الفور، استُنفرت بقية حواسّي وركزتْ أذناي على ما تقول السيدتان الشابتان، اللهْ يسمح ليّ:

-أختي أش غادي نكول لك على سعاد.. تزوّجت بشي واحد خدمتو على قدّ الحال.. شرّحات وملّحات معه من اللّول.. ما كاين لا شْقا، لا تمارة.. انت خدّام أنا خدّامة! ڭالت ليه.. يْعني اللي سبق للدار يْلبس الطابليّة ويدخل للكوزينة … النهار اللول كيموت المُشّ… فوق من هادشي، غير دوّرات معه شي شْهورا  اللولى، ثلاثة أو ربعة، وهي تبدا تتوجّع عليه وتْتنخصْص.. ما بقى سوڭر ليها والو…

سكتتْ فجأة وخفضت صوتها حين انفتح الباب. الراكب الخامس أطل برأسه، قبل أن يعود ويقف في الخارج، في انتظار الراكب الأخير، الذي سيكمل “النصاب القانوني” للناقلة حتى تتحرك بنا في هذه الرحلة الرمضانية الليلية التي اضطرتني إليها التزامات مهنية خلال شهر الصيام و… العمل.

“ألله يا خويا الله، أش بيتِ عندنا؟.. كن غير خلّيت هاداك الباب كيف كان وخْلّيت هاد الحكاية تكمل، ما دام أنك ناوي تبقى تتسنّى على بْرّا”..

هكذا وجدتُني أقول في نفسي، لائما هذا الراكب على قطع حديث بمثل هذه الأهمّية.

في حدود العاشرة والنصف (الـ21: 27 د بالضبط) انطلقت بنا الرحلة. حديث المتكلمة وصل الآن إلى “الخاص”.. 

بعد لحظة، عادت الراكبة للخوض في حديثها الجانبي المسموع مع مراففتها، التي اكتفت طوال الوقت ببعض الكلمات الموافقة على ما تقول صديقتها، التي لم تتوقف لحظة واحدة عن الكلام…

فهمت أنها تتكلم عن زوجها:

أختي حتى أنا ما كنسكتشّ ليه، الصراحة.. إلى بِيتْ ندير شي حاجة غادي نديرها، سانسيقْ لهضرتو، ما دّات ما جابتْ (…) أولد الناس ما تجيشّ شي نهار وتڭول لي هادشي منين جبتيه؟… أنا نطيح على الريال نعرف أش ندير بيه، ماشي بحالو هو، فلوسو مشاو غير فلالة ومالي وتقرقيب السطالي…

فجأة، حدث ما لم يكن في الحسبان.. أعادني صوت قويّ من بوق السّيارة من خيالاتي و”واقعي”. 

شاحنة كبيرة لفّت يمينا وقطعت طريقنا رغم الإشارة أمام سائقنا ومن يسيرون في خطه خضراء.. 

أطلق السائق العنان لبوقه وهو يضغط على الفرامل بقوة جعلت أمعاءنا “تُنخض” في بطوننا وقد اندفعت أجسادنا إلى الأمام. كاد وجهي يلتصق بظهر الكرسي أمامي.. 

لو حصل لربما فقدت أسناني.. بل ما بقي منها في فمي. هي كل ما بقي في فمي بعد أن “نقّيتُه” قبل سنوات لكنْ لم يكتب لي حتى الآن أن “أعمّره”.. كاينة ظروف..

بعدما كنت أرجو أن تتأخّر الرحلة ما يكفي من الوقت لأن تروي الزوجة الشابة أكبر قدر ممكن من حكايتَي زواجها وزواجها سعاد، تمنّيتُ بعد هذا الذي حصل من تلك الشاحنة الرّهيبة، لو تصل بنا الناقلة إلى “عرصة المْعاش” في أقرب وقت.. أن تموت في الطريق على يد سائق “مْرمضنْ!”.. يا لها من نهاية مُروّعة..

وطوال ما بقي من الرحلة الليلية، عوّض الحديث المُملّ عن التهوّر و”قْلّة العْقل” نظيره عن “الزواج” في أزمنة غير الأزمنة الصالحة للزّواج… تُرى، ماذا تُريد المرأة من الرّجل؟!..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *