يعدّ مسجد السنّة، الذي يقعُ في وسط مدينة الرباط، من أكبر مساجد المغرب. أسسه السلطان العَلوي مولاي محمد بن عبد الله (الذي جعل الرباط فترة وجيزة عاصمته الملكيَّة) في 1785.

تقديم -عبد الرزاق المراكشي  le12

اشتهر المغرب بكونه يتوفر على عدد كبير جدا من المساجد، حتى لَتجد من ينتقذون هذه الوفرة “الملحوظة” لـ”بيوت الله” على حساب مرافق حيوية أخرى ضرورية لحياة المواطن البسيط، مثل المدارس والمستشفيات والمصانع.

بناء على هذه المعطيات لا تكاد تخلو أية قرية نائية أو مدشر موغل في أعماق “المغرب غير النافع” من مساجدَ يُذكر فيها اسم الله، فما بالك بمُدن المركز وباقي الحواضر الكبرى في بلاد الـ مسجد.

سنأخذكم، من خلال هذه الفسحة الرمضانية “حكاية مسجد” في جولات عللا بساط من كلمات خطّتها أقلام مغربية مختلفة عن أشهر مساجد المغرب وجوامعه.

يعدّ مسجد السنّة، الذي يقعُ في وسط مدينة الرباط، من أكبر مساجد المغرب. أسسه السلطان العَلوي مولاي محمد بن عبد الله (الذي جعل الرباط فترة وجيزة عاصمته الملكيَّة) في 1785.

ورغم ذلك، رُمِّمَ بالكامل تقريبًا في القرن التاسع عشر. وفي عام 1969، بِمُناسبة عيد ميلاد الملك الحسن الثاني الأربعين، أعيد ترميم المسجد ونُقلتْ مئذنته من موقعها الأصلي في الركن الشمالي الغربي للمسجد وأعيد بناؤها «حجرًا بحجر» في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد، حيث يقف اليوم من أجل تعزيز منظوره على طول محور شارع محمد الخامس في العاصمة الإدارية للمملكة.

يقوم المسجد في مكان بارز بصريا في شارع محمد الخامس، أحد الشوارع الرئيسية وسط الرباط، ويقع القصر الملكي غربًا وجنوبًا. ويحتوي المبنى على مخطط أرضي شبه مربع تبلغ مساحته 74 مترًا تقريبًا لكل جانب، مع مساحة 5 آلاف و565 مترًا، ما يجعله رابع أكبر مسجد تاريخي في المغرب.

ولهذا الجامع تخطيط قياسي نسبيا لمسجد مغربي، ويضم فناء مستطيلا كبيرا (الصحن) وتحيط به أروقة وقاعة للصلاة تتألف من ثلاثة أروقة عرضية رئيسية موازية للقبلة (جنوب شرق) الجدار.

في كلا طرفي الفناء، بمحاذاة المداخل الجانبية، توجد أجنحة مزخرفة تذكّر بترتيب مماثل في مسجد القرويين، الأقدم بكثير في فاس. الجزء الشمالي من المسجد مشغول بغرف إضافية كانت تؤوي الطلاب في السابق.

وتقع المئذنة، ذات الزخارف الزخرفية المنحوتة على طول واجهاتها الأربع، في الركن الجنوبي الغربي، لكنها كانت في الأصل في الزاوية الشمالية الغربية. ويحتوي المسجد على العديد من بوابات الزينة والديكور المغربي التقليدي.

وقد تم استيحاء شكل الصوامع في مسجد السنة بالرباط من شكل الكعبة، الذي يرمز للاتجاهات الأربعة (شمال جنوب شرق غرب) على غرار المسجد الأموي، وتتكون الصومعة من ثلاث كرات، ترمز إلى الشمس والأرض والقمر.

وسصنّف جامع السنة كرابع أكبر مساجد المغرب، وهو مسجد عَلوي من القرن الـ18، هُجر 20 عاما ونُقل سقفه وأُعيد ترميمه وتحويل صومعته، ليغدو واحدا من المعالم العمرانية المميزة للعاصمة الرباط.

مثل واسطة العقد، يملأ مسجد السنة تقاطع شارع محمد الخامس، الشارع الرئيسي في العاصمة حيث مبنى البرلمان، وشارع الحسن الأول، بالقرب من القصر الملكي، بمحاذاة سور تواركة، بحسب مقالة لمريم التايدي.

وخلفه يوجد الحي الإداري حيث تتجمع مقرات أهم الوزارات وكبرى المؤسسات الإدارية والثقافية، كمقر الإذاعة الوطنية، وغير بعيد منه متحف الفن المعاصر ومتحف التاريخ القديم.

من الخارج يلمع بابه النحاسي، وهو ذو زخارف جميلة وأسقف من قرميد أخضر وصومعة رباعية متشابهة الأوجه، وقال عنها هشام لحرش، الباحث في التاريخ، في تصريح صحافي، إن “شكل الصوامع مستوحى من شكل الكعبة الذي يرمز لِلاتجاهات الأربع شمال جنوب شرق غرب، على غرار المسجد الأموي وصوامع حسان وإشبيلية والكُتُبِية”، وتتكون الصومعة من البدن والفحل أو المئذنة الصغيرة والجامور المتكون من 3 تفافيح (كرات) والتي ترمز للشمس والأرض والقمر، وهي صومعة رشيقة تحترم المعادلة الهندسية الذهبية بحيث يكون القُطر خُمس الطول.

خارج المسجد ساحة عمومية تمتلئ هي الأخرى بالمصلين خلال صلاة الجمعة والتراويح. وفي مدخله الرئيسي، يستقبلك بهو مواز للقبلة، كانت فيه غرف لإيواء طلبة العلم في وقت سابق، وصحن مربع الشكل جميل الأرضية.

وقبل أن تجتاز الصحن نحو باب المسجد الداخلي المغطى بالجبس المنقوش، تستوقفك نافورتان رخاميتان واحدة يسارا وأخرى يمينا مغطاة بقباب خشبية منقوشة.

من مدخل باب قاعة الصلاة يبدو بلاط المحراب عبر مدخل متسع بسقف خشبي مستطيل تتدلى منه ثريات كبيرة، وعلى جنباته حنايا وأقواس.

من داخل المسجد ويوضح لنا الباحث في تاريخ الرباط هشام لحرش أن الممرات المستطيلة الطويلة الموازية للمحراب، تسمى الأسكوب، ويوجد منها 4 أساكيب، وسقفها الخشبي المستطيل يسمى “برشلة”، والمساحات المسقوفة العمودية تسمى “بلاطا” ويوجد منها 13 بلاطا أوسطها بلاط المحراب.

فيما الأقواس بينها من الجبس المنقوش وسواري من الفسيفساء ذات البريق المعدني (المصنوعة من الخزف وطلاؤها من المعدن)، ويضيف هشام لحرش أن السقف الخشبي المستطيل ذي الروابط سقف “جلموني” (هرمي) مستوحى من العمارة الأوروبية، ما يجعل عمارة مسجد السنة تفاعلية تختزن العديد من الصفات والحقب التاريخية.

بعد وفاة السلطان محمد بن عبد الله، ووفق مصادر تاريخية متطابقة فقد هجر المسجد 20 سنة، لبعده عن المدينة وقلة السكان حوله، مما حدا بالسلطان مولاي سليمان إلى نقل أخشاب سطوحه لتسقيف جامع علي بن يوسف بمراكش، ورممه فيما بعد السلطان محمد بن عبد الرحمن.

ويجد الداخل لمسجد السنة ببابه لوحة رخامية تقدم ملخصا لتاريخه وأهم مراحله. تقول اللوحة “رمّمه السلطان محمد بن عبد الرحمن بتجديد مسجد السنة الذي أصبحت تقام به الصلوات الخمس بانتظام مع صلاة الجمعة، وذلك بعد تعمير تواركة وإقامة دار المخزن، ولم يغير في التخطيط الأصلي للمسجد، بل أضاف جناحا وبابا جديدا خلف المقصورة ومحلا للوضوء قرب الصومعة، وفي سنة 1325 هجرية الموافق لعام 1907 ميلادية، قام السلطان عبد العزيز بترميم المسجد وزاد فيه مخدعا مستطيلا وراء المحراب“…

أمر الملك لاراحل الحسن الثاني في 1969 بترميم المسجد وتجديده ونقل منارته (صومعته) من الطرف الشمالي إلى الطرف الجنوبي للمسجد، هكذا أصبحت الصومعة الجديدة في هيكلها الضخم يراها الناظر في محور هندسي محكم على أكبر شارع في العاصمة وهو شارع محمد الخامس.

وجدّد الملك الحسن الثاني هندسته المعمارية، بالإضافة إلى أن نقل الصومعة أعاد القيمة للهندسة الموحدية وجعل “البرشلة” متجهة نحو المحراب أو ما يسمى البلاط الأوسط أو بلاط المحراب، في حين كان باقي أجزاء المسجد العلوية كلها “أساكيب” و”برشلات” موازية للقبلة.

ويعدّ جامع السنة من أجمل المساجد، ويجمع بين الفخامة والشساعة والبساطة والنظافة وجمالية المعمار وجودة السجاد وبراعة الصانع التقليدي، والاستدامة حيث يضاء جزء منه بالطاقة الخضراء.

وقد احتضن مسجد السنة الكراسي العلمية، وشهد إلقاء دروس دينية من علماء ضيوف المغرب، وتحيي فيه الأميرات ذكرى وفاة الملك محمد الخامس في رمضان من كل عام. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *