قال إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الإشتراكي، السبت بالرباط، في إفتتاح الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين “هناك تجميد مقصود للفعل الثقافي لغايات غير معلومة”.
وتابع، “الحال أننا، مع مرحلة التحول التنموي وما يقتضيه من تقوية للبناء الديمقراطي والمؤسساتي، في أمس الحاجة لتكون الثقافة قاطرة حقيقية لهذا التحول من خلال تغيير العقليات لمسايرة العصر والاستجابة لمتطلبات التقدم والانفتاح والحداثة”.
وأضاف، «للأسف الشديد، وبعد أن حظينا بدستور جديد بمقتضيات متقدمة في المجالين السياسي والثقافي، عشنا طيلة عقدين من الزمن مدا محافظا بتوجهات شعبوية ونزعات نكوصية، عملت على نشر أفكار رجعية تناهض حرية الرأي والتعبير وقيم التعددية والتنوع والاختلاف الخلاق».
هذا المد المحافظ، يضيف لشكر، «وجد ضالته لدى الفاعل التكنوقراطي الذي يعتبر الثقافة مجالا غير مؤثر، وقطاعا استهلاكيا غير منتج، مما يفسر عدم عقلنة استثمار الاعتمادات المخصصة من أجل تدبير مالي ناجع، مع العجز عن تعبئة القطاع الخاص والجماعات الترابية المؤهلة من أجل المساهمة المادية والمالية في دعم المشاريع الثقافية وطنيا وجهويا».
بل الأكثر من ذلك، يقول لشكر، «تم اللجوء إلى تكريس نوع من الريع الثقافي بدعم مشاريع مدنية منتقاة على أسس غير شفافة، والمساهمة في إظهار نمط ثقافي محافظ يطغى عليه الطابع الأصولي، وتهيمن عليه خطابات ذات نزعة دعوية تستهدف أساسا الفئات الفقيرة، خاصة بالمدارات الحضرية الهامشية والمناطق القروية”.
ومضى قائلاً: «كما أن الإطارات الوسيطة من قبيل اتحاد كتاب المغرب والإطارات المهنية التقدمية ذات التوجه الحداثي تتعرض بشكل مستمر لمؤامرات من أجل إنهاء الأدوار المنوطة بها تاريخيا اعتقادا من أصحابها بأن الفاعل التكنوقراطي قادر على تأطير وتطوير هذه الحقول الثقافية والمهنية”.
وأوضح، “يشهد التاريخ أننا كنا بالمرصاد لهذا المد المحافظ، بكل ما أوتينا من قوة وبالوسائل المتاحة أمامنا، داعين إلى خلق دينامية مجتمعية قوية قادرة على تعبئة الفاعلين الديمقراطيين ومكونات المجتمع المدني للاصطفاف مع مواقف المثقفين ولتوجسهم من أي ارتداد عن مكتسبات حرية التعبير والرأي والإبداع، ما دامت الحرية هي القيمة الأساس للإنسان”.
ودعا الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي ، إلى إصلاح سياسي ومؤسساتي شامل للثقافة برؤية واضحة تمزج بين الديمقراطي والحداثي، وتحرص على السياسات العمومية القائمة على الحكامة التدبيرية الجيدة.
كما دعا، أيضا إلى حوار وطني حول الثقافة يقوم بتحيين المعطيات المتعلقة بالشأن الثقافي على ضوء تداعيات الجائحة والتحولات الرقمية المتسارعة، وتنبثق عنه المحددات الكبرى للسياسة العمومية.
وقال “من غير المعقول أن تنسحب الحكومة من فضاءات النقاش العمومي، وأن يظل رصيدنا الوطني متوقفا في ثلاث مناظرات حول الثقافة المغربية: الأولى سنة 1986 والثانية سنة 1992 من تنظيم وزارة الثقافة، والثالثة سنة 2015 من تنظيم اتحاد كتاب المغرب. من غير المعقول هذا الوضع الشاذ، وكأن العقم الثقافي مصيرنا”.
وشدد على أنها ” مسؤولية ثابتة، سيذكرها التاريخ الوطني والنبوغ المغربي على الدوام، في حق كل من ينال نصيبا، كبر حجمه أو صغر، في تجميد إطار مدني مشهود له بالوطنية الثقافية وبالقوة الاقتراحية التي أغنت الثقافة المغربية”.
ويرى لشكر ، أنه من “الضروري اليوم معالجة الأعطاب المصطنعة والنرجسية من أجل تهيئ الظروف الملائمة لفتح هذا الحوار إعداد ميثاق وطني للثقافة بمشاركة مختلف الفاعلين الثقافيين والسياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين لتعبئة الطاقات المختلفة حول التوجهات الثقافية الأساسية، والإسهام الجماعي لتحصين الهوية المغربية وتقوية حضورها وأثرها الإيجابي في الثقافة الإنسانية الشاملة”.
وتابع لشكر ،”الإصلاح الثقافي الذي ندعو إليه، والذي نستقيه من إنصاتنا لكن ولكم، لا يهم المجال الثقافي في جزئيته، بل يمتد ليشمل الإصلاح الثقافي في بعده الاقتصادي والميزانياتي، في البعد المرتبط بالمدرسة والجامعة، في البعد المرتبط بالسياحة، في البعد المرتبط بالإعلام والتسويق، وفي البعد المتصل بالدبلوماسية الموازية، وغيرها”. وساءل لشكر الحكومة حول، “كيف يمكن تبرير أداء الحساب الخصوصي للخزينة المسمى «الصندوق الوطني للعمل الثقافي» الذي لم تتجاوز نفقاته حوالي ثلث موارده في السنوات الأخيرة، بما يثبت ضعفا في نسبة الإنجاز؟.
وقال في هذا الصدد، “نسجل على مستوى تنفيذ الميزانية الخاصة بالقطاع أن نسبة الإصدارات لا تتجاوز 43 %، فيما ميزانية الاستثمار لا تتجاوز 65 %، بالإضافة إلى التفاوت في تنفيذ ميزانية الاستثمار بين الجهات”.
فكيف ستتعامل الحكومة مع هذه الوضعية؟ وكيف ستعالج المؤشرات المتواضعة التي رصدها التقرير السنوي لنجاعة الأداء، والمتعلقة بضعف النتائج مقارنة مع التوقعات التي حددها قطاع الثقافة، في القيادة والحكامة تم تحقيق فقط 20 %، وفي برنامج الفنون تم تحقيق 55 %؟. يتساءل لشكر.
وتابع، “إننا لا نفهم هذه المفارقة الصارخة بين توفر الموارد المالية التي لا تنفذ، وبين ما يعيشه العاملون في المجال من وضعية اجتماعية مأساوية، في أوساط الموسيقيين والكتاب والمسرحيين والممثلين والمخرجين والفنانين التشكيليين وغيرهم”.
وخلص إلى القول: «إننا في الاتحاد الاشتراكي نؤكد أن واقع الحال الثقافي يقتضي إصلاحا مؤسساتيا عميقا يستجيب لمتطلبات الحكامة الجيدة، ومن بينها: تسريع تفعيل المؤسسات الدستورية ذات الصلة بالشأن الثقافي، وإعادة النظر في الهندسة العامة للمؤسسات الثقافية وتجميعها في إطار أقطاب كبرى لدعم الصناعة الثقافية الوطنية، وإحداث مؤسسات جهوية مخصصة للارتقاء بالروافد الثقافية في إطار الرؤية الثقافية الوطنية بما يتيح التدبير العقلاني لتنوع الثقافات المحلية”.