سنة 1984، حين كان الراحل الحسن الثاني وأفراد الشعب المغربي المخلص لبلده، وحدهم، هم وقادة بلدان الخليج العربي، يدافعون عن وحدة المغرب الترابية في الهيئات الدولية، دون أن يلقى الحسن الثاني أي سند لا من فرنسا ولا إسبانيا ولا أمريكا ولا الاتحاد السوفياتي قبل أن يتفكك ويصبح فيدرالية روسية.
وهي دوللديها حق الفيتو في مجلس الأمن، كان عدد كبير من البلدان الإفريقية قد اصطفت إلى جانب النظام الجزائري العسكري في مناهضتها للمغرب، وأدخلت جمهورية وهمية جلبها النظام الجزائري إلى أرض تندوف كي تحارب المغرب، معتقدا أنه سيفصله عن أرضه وسيطيح بنظامه الملكي وسيتمكن بمرتزقته من سرقة منفذ في الصحراء المغربية يصل منه إلى المحيط الأطلسي، وليؤكد وهمه الذي يوحي له بأنه بلد قارة، لديه أكبر مساحة في إفريقيا، بينما الحال أن حدوده ورثها من الاستعمار الفرنسي.
في سنة 1984، كان الراحل الحسن الثاني يحارب وحيدا، بدعم من الأشقاء في الخليج، معظم بلدان إفريقيا التي كانت تقودها الجزائر بأموال البترول والغاز. وفي لحظة ما من تلك السنة، قرر الراحل أن ينسحب من منظمة الوحدة الإفريقية، وأن يبني علاقاته الدولية في إطار علاقات ثنائية مع الدول الصديقة، بعيدا عن صداع رأس منظمة إفريقية تناصب المغرب العداء.
32 سنة والمغرب غائب عن منظمة الوحدة الإفريقية التي تحولت سنة 2002 إلى منظمة الاتحاد الإفريقي.
ظل المغرب غائبا عنها منذ انسحابه منها سنة 1984 إلى أن عاد إليها يوم 17 يوليوز 2016 بقرار من الملك محمد السادس، في وقت ظلت فيه الجزائر، طوال غيابه عن المنظمة الإفريقية، تقود حملات الكراهية ضد المغرب، وتجلب الدعم للجمهورية الوهمية التي أسستها في تندوف.
في أقل من 8 سنوات على عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، تراجع عدد البلدان الإفريقية المعترفة بالكيان الوهمي الموجود فوق أرض تندوف من 36 دولة إلى 16 دولة فقط اليوم.
يعني أنه في 8 سنوات من وجود المغرب في منظمة الاتحاد الإفريقي تراجعت 20 دولة إفريقية عن اعترافها بجمهوربة الوهم. وهو انتصار وراء انتصار. انتصارات جعلت الجزائر تعلن في القمة الإفريقية التي انعقدت في أديس أبابا سنة 2023 أنها قد ضخت مبلغ مليار دولار في صندوق لدعم مشاريع تنمية البلدان الإفريقية.
أي أن أي بلد إفريقي يريد أن يأخذ نصيبه من المليار دولار الجزائري، يجب عليه أن يتفاوض مع الجزائر، ليعرف ما ينبغي عليه أن يؤديه من ثمن مقابل استفادته من مبلغ المليار دولار، والمقابل بالنسبة إلى الجزائر واضح ومعلوم ولا جدل حوله، هو اعتراض المغرب داخل منظمة الاتحاد الإفريقي وإيقاف توغله.
في القمة الإفريقية الحالية، حضر رئيس الجمهورية الجزائرية بنفسه، مبعوثا من النظام العسكري الذي يتحكم في شؤون بلده، خوفا من أن يحقق المغرب مزيدا من الانتصارات التي من شأنها أن تؤدي إلى طرد ممثل الدولة الوهمية من المنظمة، وألقى خطابا على المشاركين في القمة، تحدث فيه معهم بلغة المال.
نعم. لقد تحدث معهم بلغة المال دون أن يعطي أي ضمانات أنه سيفي بوعده.. لا يهمه ما يقول. المهم أن يلقي الكلام ولو على عواهنه.
قال لهم، إنكم لا تؤدون مستحقات انخراطكم في المنظمة.. وأنا أعلن لكم أنني سأساهم في خزينة المنظمة بمبلغ مليون دولار.
مليون دولار.. أي ما يعادل مليار سنتيم مغربي. وهو مبلغ لا يكفي لبناء نصف عمارة في حي من أحياء حي الرياض بمدينة الرباط.
لقد اعتقد أن مليون دولار مبلغ كبير سيثير اللعاب، لأنه هو أصلا لديه مشكلة في ضبط الأرقام وفي معرفة دلالاتها وقيمتها. ويبدو أن أحدا ما نبهه أن مبلغ مليار دولار الذي كان قد وعد بضخه في صندوق للتنمية الإفريقية سنة 2023 هو مبلغ كبير ما كان عليه أن يتفوه به، وأن الكل عرف بأنه مبلغ تم الإعلان عنه فقط من أجل الإغراء وإغواء المناصرين، فقط لا غير، فنقص هذه السنة صفرين من مبلغ مليار دولار، وبدل أن يبقى المبلغ مليار دولار تحول إلى مليون دولار.
أن تفوز ممثلة الجزائر بمنصب نائبة رئيس المفوضية الإفريقية وأن يملأ الوفد الدبلوماسي الجزائري القاعة صراخا بشكل هستيري، وكأنهم فازوا بتنظيم كأس العالم في كرة القدم، لا يعبر عن أي شيء آخر سوى عن أنهم كانوا في حالة ضغط شديد، وأنهم كانوا يعيشون على أعصابهم إلى درجة المرض.
بينما الحال أن الفوز بهذا المنصب أتى في الجولة السابعة من التصويت، عندما انسحبت المرشحة المصرية وآلت الأصوات التي كانت تصوت عليها إلى المرشحة الجزائرية التي تمثل الجزائر في الاتحاد الإفريقي منذ سنوات وسنوات.
ومن المفروض أن تكون هذه السيدة قد أسست علاقات وعلاقات داخل المنظمة بحكم قربها الدائم من أعضائها، عكس مرشحة المغرب التي ليست لديها أية علاقات داخل منظمة الاتحاد الإفريقي، وهي بعيدة عنها، فهي رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بالمغرب، وقد تم ترشيحها لمنصب نائبة رئيس المفوضية في آخر لحظة، كي تتمرن على ذلك، وهو منصب ليس ذا أهمية.
إذ أن المنصب الهام الذي راهن عليه المغرب وكسبه، هو منصب رئيس المفوضية الإفريقية الذي فاز به وزير خارجية دولة جيبوتي حليفة المغرب، والتي لديها قنصلية في مدينة الداخلة بالصحراء المغربية الغربية، علما أن وزير خارجية جيبوتي كان قد زار المغرب قبل أسابيع، وأعلن في لقاء صحفي بالرباط رفقة وزير خارجية المغرب بأنه سيترشح لمنصب رئيس المفوضية الإفريقية ويعول على دعم المغرب له في ترشيحه، وهذا ما حدث بالفعل، وتم تحقيق الهدف بامتياز، دون أن نسمع أي صراخ هستيري من وفد جيبوتي لحظة الإعلان عن الفائز بهذا المنصب الهام.
أحمد الدافري/ كاتب صحفي