من هو هذا الذي يسمى باوش؟ إنه السؤال الذي طرحه الكثيرون، خاصة حين كان هذا الاسم يروج على نطاق واسع، وتحديدا في كل الأوساط التي كانت تناقش ملف الأمازيغية.
في كل اللقاءات والمنتديات، التي كانت تقام في العاصمة الرباط أواخر تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي. وأردت أن أعيد طرح السؤال، لما لاحظت أن زملاء مشكورين، احتفوا بالإعلامي إبراهيم باوش بمناسبة إحالته على التقاعد.
لازال اسم باوش يذكر في كل مرة تعقد فيها لقاءات أو منديات في حاجة إلى خبرته، خاصة في قضايا الترجمة من وإلى الأمازيغية، وتحديدا الكتابة بحروفها الأصلية، لأن باوش من العشرة الأوائل في المغرب، الذين برعوا في الكتابة بحروف تيفناغ، ومن بين الاعلاميين والصحفيين المهنيين الأوائل الذين لا بد من الرجوع إلى كفاياتهم في “الشادة والفادة”، وفي كل ما يتعلق بالأمازيغية .
من هو هذا الذي يسمى باوش؟ سؤال من بين السابقين الذين طرحوه، المخرج المسرحي المرحوم محمد الداسر، الذي كان يتردد على مسامعه، أن باوش قال كذا، وهكذا ترجم الكلمة الفلانية، وقام بكذا، بحيث تكرر اسم باوش مئات المرات بين أعضاء الفرقة التي كانت تقوم بالتداريب لتشخيص مسرحية أمازيغية. المخرج الداسر كان يهدف بطرحه هذا السؤال معرفة الشخص الذي يرجع إليه كل من اختلف حول معنى او دلالة مصطلح امازيغي أو عجز عن كتابة لافتة أو شعار ندوة بالتيفيناغ.
باوش له أفضال كثيرة على عدد من المنابر الأمازيغية منها الذي يواصل الصدور، ومنها ما اختفى. باوش واكب جريدة “تاسافوت”، وكان من بين أعضاء هيئة تحريرها، وهي الجريدة التي كانت تصدرها منظمة “تاماينوت”.
كان عضوا بارزا في هذه المنظمة، لما كان يرأسها المحامي حسن اد بلقاسم. باوش الصحافي كان لا يفرق بين النضال المدني من أجل الأمازيغية والعمل الصحفي، إلى درجة أن مقر جريدة “العالم الأمازيغي”، كان الملجأ والمحطة الأولى التي يحط فيها الرحال كل مناضل أمازيغي حل بالرباط من أجل المشاركة في لقاء او ندوة، وكان ذلك بفضل باوش، الذي لعب دور الوسيط بين كل المناضلين القادمين من الجنوب أو الجنوب الشرقي أو الشمال، وكان باوش بتلقائية وعفوية وبيسر أيضا، يقوم بترتيب الجانب اللوجستيكي لأي لقاء منتظر تنظيمه قبل دسترة الأمازيغية بأكثر من عقد من الزمن في الرباط وفي مدن أخرى. وهو الذي يعتبر أحد الركائز التي اعتمد عليها أكثر من منبر وجريدة أمازيغية، ترأس تحرير جرائد: “العالم الأمازيغي”، جريدة “أزطا أمازيغ” و”تاسافوت” و”تمازيغت”.
ومن بين المحطات الأساسية إشرافه على اصدار جريدة “تمازيغت” التي كانت في ملك المرحوم أحمد الدغرني، وكان الشرط الوحيد لهذا الأخير، في حالة تخليه عن الصلاحيات المتعلقة بالتحرير والمضمون أو الاعداد أو استكتاب الفعاليات الأمازيغية لأي كان، هو الحفاظ على “اللوغو” الذي يحمل صورة أو تمثال الشخصية الأمازيغية التاريخية الملك “يوبا”.
دينامو الحركة الأمازيغية ما بين الرباط وأكادير، ومن الفعاليات الإعلامية الأمازيغية التي لا يشق لها غبار، وبالنظر إلى العلاقات المتينة التي كان ينسجها مع كل المناضلين، إلى درجة أن إحدى الجرائد الأمازيغية كتبت في أحد أعدادها، أن باوش هو الذي استقدم عزيز اجهبلي من اليسار الراديكالي إلى الحركة الأمازيغية، وهو الرأي الذي يتقاطع مع ما ذهب إليه “أيت أسيگل” بمدينة بيوكري الذين يعرفون اجهبلي ب “عزيز ن باوش” و أسيگل هي الجمعية التي كانت ولازالت تنشط بمنطقة شتوكة ايت باها. ومن اعضائها اطر وكفاءات، محمد بسطام، والفارسي وآخرين.
باوش من مهندسي تأسيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة “أزطا أمازيغ”، وهي المنظمة الوطنية، التي كان يرأسها المحامي أحمد أرحموش، والتي لعبت دورا أساسيا في الترافع من أجل مطلب الدسترة. وقد أشرف باوش على تأسيس فرع الرباط لهذه الجمعية بدار الشباب الليمون، الذي ترأسه علي أمصوبري في الولاية الأولى لهذا الفرع.
باوش هو صاحب العديد من المصطلحات التنظيمية، من قبيل “اللجنة الوطنية لأزطا”، قبل أن تأخذ مصطلح المجلس الوطني. كما أشرف أدبيا ولوجستيا على تأسيس كونفدرالية “أمزداي انامور” في العاصمة الرباط، والتي ترأسها آنذاك “همو أزداي” العضو السابق في المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
كان باوش شديد انتقاد كونفدرالية “أمياواي” الجمعيات الأمازيغية بوسط المغرب، معتقدا أنها تستنزف “أزطا” ماليا وتنظيميا. كان ولايزال مهذبا في ردوده، وسبق أن رد عن المرحوم، الباحث في الثقافة الأمازيغية بلعيد بودريس، الذي وصف بعض الأفكار التي كانت تعاتب المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالتافهة. وربما كانت فلتة من لسان المرحوم بودريس، لكن باوش، الذي كان يدير أشغال ندوة حول الأمازيغية، لم يترك المسألة تمر، وأجاب بودريس بقولته الشهيرة إن “أزطا لا تنتج التفاهة”.
باوش رجل تحيط بشخصه أسوار من الأخلاق والمهنية والمسؤولية قل نظيرها، لا ينبس اطلاقا بكلمة سوء في حق كل من يخالفه الرأي أو غير متفق معه في قضية من القضايا. قصص باوش مع الأمازيغية بحر لا ساحل له..