قبل أسبوع استقبل العاهل المغربي الملك محمد السادس، بالقصر الملكي بالدار البيضاء، الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي حسب تقارير إعلامية كان يقوم بزيارة خاصة للمغرب لأسباب عائلية.

بلاغ للديوان الملكي أكد على أن قائدي البلدين، أكدا خلال اللقاء، حرصهما على تطوير مشاريع استراتيجية للربط بين البلدين الجارين، وكذا تنسيق مساهمتهما في إطار المبادرات الملكية بإفريقيا، خاصة أنبوب الغاز الإفريقي – الأطلسي، ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.

البعض اعتبر زيارة ولد الغزواني الخاصة إلى المغرب عادية في إطار متابعة الوضع الصحي لحرمه التي تخضع للعلاج في المغرب، لكن كثير من التقارير الإعلامية ربطت الزيارة بزيارة الرئيس الجزائري لنواكشوط قبلها بأسبوع، حيث تم الحديث عن دور موريتاني للوساطة بين المغرب والجزائر بطلب من الأخيرة، وذلك على خلفية التحولات الجيوستراتيجية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط وبما تحمله من تداعيات محتملة على المنطقة المغاربية، خاصة بعد انهيار نظام بشار الأسد المقرب جدا من الجزائر، لكن بغض النظر عن صحة هذه التقارير، فإن العلاقات المغربية الموريتانية، تكتسي أهمية قصوى بالنسبة للبلدين، فموريتانيا بلد أساسي في المنطقة، ولها صوت مهم في قضية الصحراء المغربية، ليس فقط بمنطق الجوار والجغرافية، ولكن بصفة أساسية بفعل ثقل التاريخ والثقافة، يكفي ان نواكشوط كانت طرفا في إتفاقيتين كان لهما وقع كبير على نزاع الصحراء، الأولى هي اتفاقية مدريد الثلاثية والتي جمعت المغرب وإسبانيا وموريتانيا والاتفاقية الثانية والتي وقعت تحت ضغط جزائري قوي في ظروف سياسية وأمنية دقيقة كان تمر منها موريتانيا، وهي اتفاقية الجزائر في آب (غشت) 1979 حيث تخلت موريتانيا عن وادي الذهب لفائدة جبهة البوليساريو.

بعض النخب الموريتانية كانت دائما تتوجس من وجود المغرب في شمالها، وكانت تسعى باستمرار لوجود كيان عازل.. وقد نفخ البعض في ذلك التوجس وجعل منه قاعدة ثابتة في تدبير العلاقات الثنائية بين البلدين، بينما سعى المغرب دائما إلى تبديد كل التخوفات وذلك عبر السعي إلى ببناء شراكة استراتيجية حقيقة ومثالية مع موريتانيا.

في سنة 2010 أعلنت وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة المغربية، أن موريتانيا احتلت المركز الثالث من بين زبناء المملكة في القارة الإفريقية، بعد جيبوتي والسنغال، وأن حجم المبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا بلغ 215 مليون دولار أمريكي (1,9 مليار درهم) في الفترة مابين 2009 إلى 2019.

ويربط معبر “الكركرات” بين البلدين بوصفه المعبر البري الوحيد، الذي يتجاوز كونه شريان المبادلات التجارية بين البلدين، إلى اعتباره معبرا لجزء من التجارة الأوروبية الإفريقية، كما أن مشروع أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب، ستنطلق أولى مقاطعه في المحور الذي يربط المغرب و السينغال عبر موريتانيا. الجوار الجغرافي مثله مثل علاقات الدم، فهو يتجاوز إرادة الأطراف المعنية ويفرض نفسه على الجميع في النهاية، فإذا كان الصراع مع الجزائر واضحا ومفهوما، وموقف المغرب فيه متقدم ومنطقي ومتماسك، وبالتالي لا أسئلة إضافية يمكن طرحها ما دام الجيل الذي يحكم الجزائر هو ذاته الجيل الذي وضع اللبنات الأساسية للصراع المفتعل، بل تحول الأمر إلى عقيدة لدى طيف واسع من السياسين والعسكريين هناك، فإن العلاقة مع موريتانيا، وإن كان انتظامها وعمقها في السنوات السابقة يطرح أكثر من علامة إستفهام، فإن الحاضر يكشف على وجود تطابق في وجهات نظر البلدين بخصوص عدد من القضايا القارية الإقليمية، فما يجمع المغرب بموريتانيا يتجاوز منطق السياسة الضيق، إلى ثقل التاريخ المشترك والعلاقات الإجتماعية والأصول المشتركة، إضافة إلى المشترك الديني والمذهبي والثقافي.

 في غشت 2022  وبمناسبة الذكرى التاسعة والستون لثورة الملك والشعب، أكد الملك محمد السادس أن ملف الصحراء المغربية هو “النظارة التي ينظر منها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”، هذه الرؤية الملكية حكمت علاقات المغرب مع أكثر من بلد، وبكل ما عرفته تلك العلاقات من أزمات بلغت حد القطيعة، نذكر هنا الأزمة مع كل من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، معنى ذلك أن المغرب لا يضع استثناء للقاعدة، وعلى هذا الأساس فإن القطار الجديد للعلاقات المغربية الموريتانية، لابد أن يتوقف عند القضية الأولى المغاربة وهي قضية الصحراء.

موريتانيا حافظت لسنوات على موقف حياد إيجابي، لكنه أصبح اليوم متجاوزا، سواء بواقع حجم حضطر كل طرف على الأرض، أو بمنطق التحول في الموقف الدولي الذي يؤيد بشكل متزايد مبادرة الرباط للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ونستحضر هنا خاصة مواقف كل من واشنطن، مدريد، برلين وباريس، وأي تحول في الموقف الموريتاني فإنه سوف لن يكون أقل أهمية من المواقف المذكورة. إحداث تحول في الموقف الموريتاني يبقى مسألة وقت فقط، ذلك أن إلغاء المغرب للمنطقة العازلة التي توجد شرق الجدار الأمني للقوات المسلحة الملكية، وتعد واحدا من مشمولات إتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، وهي منطقة تشغل حوالي 20 بالمئة من المساحة الإجمالية للصحراء وتوجد في مجملها بين المغرب وموريتانيا.، سيفرض واقعا أمنيا وعسكريا جديدا بالمنطق، خاصة بعد تفكك مجموعة دول الساحل الخمسة وتكتل كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر في إطار جديد.

فهل تكسب الرباط نواكشوط التحديات والفرص المشتركة رغم تعقيدات الوضع الإقليمي؟

بقلم: عادل بن حمزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *