اليوم، وفي أفق احتضان بلادنا لمونديال 2030، أمام المغرب والدار البيضاء، فرصة لتدارك الوضع لتسريع إنجاز الأوراش الكبرى المسطرة في وثائق التعمير لترسيخ مكانة الدارالبيضاء كأحد الأقطاب الحضرية المغرية في إفريقيا وجنوب حوض البحر المتوسط لضمان الإشعاع لصورة المغرب دوليا.
*عبد الرحيم أريري
لما خرج المغرب جريحا من الاستعمار، لم يحظ بفرصة الاهتمام بإعداد ترابه الوطني بحكم الصراعات التي كانت محتدة حول طبيعة الحكم بين القصر والحركة الوطنية (الشق اليساري منها خاصة)، ولم تتحقق الصحوة بالحاجة إلى إنصاف ترابي إلا في مطلع عام 2000، وما تلا ذلك من فتح نقاش وطني حول إعداد التراب الوطني.
من حسنات ذاك النقاش (الذي أثمر مجلسا وطنيا أعلى لإعداد التراب الوطني عام 2004)، أنه أظهر أن استمرار الاعتماد على الدار البيضاء لوحدها لإنتاج الثروة من شأنه أن يقود إلى «كانيباليزم ترابي»، المتمثل في «افتراس» الدار البيضاء للمغرب ككل.
وهو الوضع نفسه الذي كادت أن تعيشه فرنسا مع باريس بعيد الحرب العالمية الثانية إلى الثمانينات من القرن الماضي، لولا أن مجيء فرانسوا ميتران للحكم جعله ينتبه إلى الخطر، فكلف وزيره في الداخلية آنذاك «غاستون دوفير» بإعداد قانون جديد للامركزية يروم خلق أقطاب حضرية قوية تنافس باريس من جهة، وتخفف العبء عنها من جهة ثانية. فكان من ثمار ذلك الجهد أن اعتمدت فرنسا عام 1982 قانون «باريس، ليون، مارسيليا»، المعروف اختصارا بقانون «P.L.M»
من هنا القناعة التي تولدت في المغرب بوجوب خلق منافسة داخلية بين المدن، ورأينا كيف اهتم الملك محمد السادس بطنجة ومراكش والرباط ووجدة والقنيطرة وورزازات والجديدة والداخلة وفاس، وأفرد المغرب لكل قطب اختصاصا رئيسيا: اللوجستيك الدولي (طنجة)، السياحة (مراكش)، الثقافة (الرباط)، المشكل الحدودي (وجدة)، السيارات (القنيطرة)، السينما والطاقة الشمسية (ورزازات)، الصناعة المعدنية (الجرف الأصفر في الجديدة)، ثم الداخلة التي اختير لها التحول إلى منصة المغرب لتثبيت حضوره الإفريقي بعد الانتهاء من إنجاز الميناء الكبير.
هذه الرؤية ساعدت على العودة للدار البيضاء لرد الاعتبار لها لتقود التراب الوطني، ليس وفق منطق «الكانيباليزم»، بل وفق قانون نيوتن الفيزيائي القائم على التوازن الديناميكي الذي يشتغل بالثنائية (Binome de Newton)
هذه الثنائية هي التي قادت إلى خلق التخصص التالي بولاية الدار البيضاء: النواصر (الطيران)، الحي الحسني (المال والأعمال)، المدينة القديمة (التاريخ والتراث)، أنفا (السياحة الساحلية)، بوسكورة (المركبات الجامعية)، زناتة (اللوجستيك)، أولاد حادة مديونة (الصناعة)، الرحمة (محاربة الهشاشة)، دار بوعزة (الغولف والترفيه)، عين الشق (الأوفشورينغ).
وما كان لهذا التخصص أن ينجح لو لم تفتح مدن فلكية بضواحي البيضاء ولو لم يصدر الأمر الملكي بترحيل مطار أنفا.
وكان الحلم الأكبر للملك وللشعب، أنه بنهاية عام 2015 سيكون المغرب قد أنهى هذا الورش (ورش تأهيل المدن)، ليتسنى للمغرب استلهام نموذج كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا في الإقلاع، حتى تتمكن الدار البيضاء من التوفر على شروط التنافس مع جوهانسبورغ واسطنبول وأبوظبي.
لكن الأمل خاب من نخب لم تساير التوجه العام سواء في الولاية الجماعية السابقة أو الحالية: نخب أظهرت جهلا بالرهانات المطروحة على المغرب.
اليوم، وفي أفق احتضان بلادنا لمونديال 2030، أمام المغرب والدار البيضاء، فرصة لتدارك الوضع لتسريع إنجاز الأوراش الكبرى المسطرة في وثائق التعمير لترسيخ مكانة الدارالبيضاء كأحد الأقطاب الحضرية المغرية في إفريقيا وجنوب حوض البحر المتوسط لضمان الإشعاع لصورة المغرب دوليا.
العداد انطلق، فهل سنكون في مستوى التحدي أم لا؟!
الكرة في ملعب النخب السياسية والإدارية والتكنوقراطية، وطنيا ومحليا.
*مدير التحرير بالزميلة انفاس