قبل أن تتدهور علاقة دمشق بالرباط، على عهد نظام آل الأسد المطاح به، كان المغرب عبر عدد من رجالاته يتقدمهم تاج الدين الحسيني، أحد صناع التاريخ في سوريا.
يقول محمد سراج الضو، قيدوم الصحفيين المغاربة، “من المغاربة الذين تركوا أثرا تاريخياً في سوريا الغنية بأبنائها ومواردها، الرئيس تاج الدين الحسني ذو الأصل المراكشي“.
وأضاف، “تولى منصب رئيس الحكومة السورية 4 مرات وهو ثاني رئيس لسوريا، وفي عهده حصلت على استقلالها بعد الانتداب الفرنسي“.
وتابع، “لُقب تاج الدين الحسيني بالرئيس المعمر لشدة اهتمامه بالتطوير والبناء والمعمار“.
وخلص محمد سراج الضو، قيدوم الصحفيين المغاربة، “والده هو بدر الدين الحسني وهو أحد أشهر علماء الشام ومن أحفاد الشيخ الجزولي أحد رجالات مراكش السبعة..!!“.
للتعرف أكثر على تاج الدين الحسيني، كانّ البروفايل التالي من إعداد مركز الشرق العربي للدراسات الحضرية و الاستراتجية .
الرباط- ماجدة بنعيسى /le12.ma
هو محمد تاج الدين بن محمد بدر الدين بن يوسف الحسيني المراكشي الأصل، ولد بدمشق سنة 1890م.
والده الشيخ محمد بدر الدين الحسيني، محدث الديار الشامية الأكبر، كان شديد الورع، حاد الذكاء قوي الذاكرة ألّف ما يزيد على الأربعين كتاباً وهو لم يتجاوز العشرين من عمره.
نشأ محمد تاج الدين في كنف والده ورعايته، ودخل المدارس الرسمية في دمشق، ثم طلب العلم على والده وتلاميذه مثل علم الحديث والتفسير والعلوم العربية وأصول الفقه والعلوم الدينية.
تميز تاج الدين بالذكاء والدهاء وحسن التودد إلى الناس، واستغل رغبة الحكام العثمانيين في إرضاء والده فانصرف إلى الاتصال بهم، فعين مدرساً للعلوم الدينية في المدرسة السلطانية بدمشق سنة 1912م، ثم كان من أعضاء مجلس إصلاح المدارس، ومن أعضاء المجلس العمومي لولاية سورية في عهد العثمانيين، كما تولى تحرير جريدة الشرق سنة 1916، والتي أمر بإنشائها جمال باشا قائد الجيش الرابع العثماني في الحرب العالمية الأولى.
انتخاب تاج الدين
بعد انتهاء الحكم العثماني على سوريا، انتخب تاج الدين عضواً في المؤتمر السوري، كما عينه الملك فيصل سنة 1920م مديراً عاماً للأمور العلمية في دائرة كانت مرجعاً أعلى لدوائر الأوقاف والفتوى والمحاكم الشرعية والخط الحجازي ـ وهذه الوظائف تشبه المشيخة الإسلامية في العهد العثماني ـ كما درّس في معهد الحقوق مادة أصول الفقه والأحوال الشخصية والفرائض والوصايا.
لماّ دخل الفرنسيون سوريا، خرج تاج الدين لوداع الملك فيصل، ثم لماّ دخل الجنرال غورو دمشق دُعي تاج الدين لاستقباله بصفته الرسمية، فامتنع وقال عبارته المشهورة: (من ودع فيصلاً لا يستقبل غورو)، فأُقصي من عمله، وبقي شهوراً عدة منزوياً، إلى أن تشكل وفد لمقابلة الجنرال غورو في أمور تتعلق بمصلحة البلاد، وكان من جملة حديثهم أن بينوا له مكانة الشيخ تاج الدين، وأن عزله عن منصبه لا يليق، فعين حينذاك عضواً في مجلس الشورى، ثم في محكمة التمييز، وبعد ذلك صار قاضياً شرعياً.
لم تستقر الأوضاع في سوريا منذ دخول الفرنسيين، فأرادت فرنسا اختيار زعيم تسوس من خلاله المجتمع السوري.
فرأت في الشيخ تاج الدين رجلاً مناسباً فعين رئيساً للجمهورية في 14 أكتوبر 1928م.
الحسيني رئيسا
تولىّ تاج الدين الحسيني رئاسة الدولة السورية في الموعد المذكور، فبدأ بإصدار عفو عن السجناء السياسيين .
كما ألغى الأحكام العرفية التي ظلت قائمة خلال ثلاث سنوات، واستطاع نشر الهدوء في البلاد إلى جانب إنشائه المشاريع العمرانية الكثيرة مثل المرافق العامة ودور الدولة وآثار أخرى تشهد بسهره واهتمامه.
وبعد مدة من حكمه، أقنع تاج الدين الفرنسيين بضرورة انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستوراً للبلاد، فعلى إثر ذلك جرت انتخابات الجمعية التأسيسية بحماس ونشاط، وظهرت قائمتان رئيسيتان: قائمة الوطنيين وقائمة المعتدلين الموالين للانتداب.
وكان اسم الشيخ تاج الدين على رأس كل منهما، وظل يحافظ على دهائه وهدوئه ويبذل من الجهود ما يرضي الفرقاء، مما هيأ له الفوز في الانتخابات دون أي اعتراض.
عملت الجمعية التأسيسية لمصلحة البلاد ووضعت دستوراً وافقت عليه حكومة الانتداب، بعد إقناع مستمر من تاج الدين الحسيني رئيس الدولة، ونشرته عام1930، لكن بعد إضافة مادة (116) عطل مضمونها جوهر الدستور، فقد ركزت على أمور كثيرة لا تصبح ناجزة إلا بعد (اتفاق بين الحكومتين الفرنسية والسورية)، مما جعل الأوضاع تزداد اضطراباً.
فأصدرت حكومة الانتداب قراراً بإنهاء حكومة تاج الدين الحسيني التي استمرت أربع سنوات رغم وصفها بالحكومة المؤقتة.
في سنة 1934 وعلى إثر المظاهرات والاضطرابات التي رفضت معاهدة السلم والصداقة بين فرنسا وسورية، دعي الشيخ تاج الدين إلى تشكيل حكومة جديدة، فازدادت المظاهرات الغاضبة التي عمت أرجاء سورية، ومضى تاج الدين في سياسته الأولى حتى عام 1936 حيث قدم استقالته بعد أن تأزم الوضع، وكثرت الاعتقالات، وسافر إلى أوروبا ينتقل بين عواصمها، وأنهى تطوافه بإقامته في باريس، وبقي فيها إلى قيام الحرب العالمية الثانية ثم رجع إلى دمشق.
عهد المندوب العام لفرنسا في الشرق في 1941 إلى الشيخ تاج الدين الحسيني بمهمة رئاسة الجمهورية السورية، وفي 1941 تقدم المندوب العام إلى الحكومة السورية بتصريح خطي يتضمن إعلان استقلال سورية، وقعه تاج الدين الحسيني. في هذه الأثناء عيّنت بريطانيا الجنرال ادوارد وزيراً مطلق الصلاحية لبريطانيا في سورية ولبنان.
خلافات ووفاة
اشتد الخلاف بين رئيس الجمهورية تاج الدين ورئيس وزرائه حسن الحكيم، فأصدر مرسوماً بحل الوزارة، وعهد بتأليفها إلى حسني البرازي، وسارت هذه الوزارة مدة ستة أشهر على تفاهم مع رئيس الجمهورية تاج الدين وسلطة الانتداب، إلى أن بدأ الخلاف حول العلاقة مع الانتداب، إذ كان البرازي يصرح بترجيح موالاة بريطانيا، بينما ثابر رئيس الجمهورية على حسن الصلات بفرنسا، ودام هذه الخلاف ثلاثة أشهر كان البرازي خلالها كثير الاتصال بالجنرال البريطاني ادوارد، وتمكن تاج الدين رئيس الجمهورية من إزاحة البرازي وكلف بتشكيل حكومة ثالثة في عهده، وبعد أيام قليلة توفي تاج الدين صريع مرض مفاجئ حار فيه الأطباء في سنة 1943، وأثارت الصحافة الشكوك من حوله إلى حد القول أنه مات مسموماً، خاصة وأن الشيخ تاج الدين كان بين مطرقتين: المطرقة الفرنسية لحمله على عقد معاهدة بين سورية وفرنسا، والمطرقة البريطانية التي كانت تعمل على تحقيق المزيد مما في نفس الشيخ من رفض وإصرار ضد المعاهدة.
كان وطنياً سورياً
لماّ سُئل الأستاذ فارس الخوري عن الشيخ تاج الدين الحسيني وصحة ما كانت تقول عنه الكتلة الوطنية من أنه صنيعة الفرنسيين وممالئلاً لسياستهم الاستعمارية أجاب: (لم يكن تاج الدين كذلك، ولكنه كان وطنياً سورياً مخلصاً وعاملاً باراً في الحقل العام.. إلا أنه كان يختلف عنا معشر رجال الكتلة بالاجتهاد، فيقول ليس بالإمكان أبدع مما هو كائن، ولذا فإنه كان يتظاهر بالتفاني بصداقته للفرنسيين لجلب أكبر نفع لبلاده، ودرء ما يمكنه درؤه من الضرر، إضافة إلى أنه كان عمرانياً كبيراً خلّف آثاراً كثيرة في مختلف أنحاء الوطن السوري ناطقة بفضله).
كما سُئل فارس الخوري عما إذا كان راضياً بدخول شقيقه فائز الخوري في الحكم كوزير للخارجية السورية في عهد الشيخ تاج الدين غير الدستوري عام (1941ـ1943) فأجاب: طبيعي أنني كنت راضياً وإلا لما كان دخل في الحكم.
المصدر: مركز الشرق العربي للدراسات الحضرية و الاستراتجية
هذه المعلومات أخذت بتصرف عن:
ـ (الموسوعة التاريخية الجغرافية)، مسعود خوند، لبنان 1997، جزء 10، ص (194، 58، 59، 60، 61، 65).
ـ (مذكرات أكرم الحوراني)، القاهرة، طبعة أولى 2000، ص (82).
ـ (موسوعة الأعلام)، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الخامسة، 1980، المجلد السابع ص(82،83)
ـ (تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري)، شكري فيصل، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى 1986، الجزء الثاني ص(576ـ 578).
ـ (فارس الخوري)، محمد الفرحاني، مطبعة دار الغد، لبنان،بيروت 1964، ص(400).