عجائب الجزائر كما تعلمون لا حصر لها، ويحق لي أن أقضم أظافري حسرة على عدم زيارتها قبل فرض “الفيزا” بقرار “جنرالاتي” على كل حامل لـ”باسبور مغربي“.
*حسن عين الحياة
لعلكم مثلي تماما، فوجئتم بقرار فرض “الفيزا” على المغاربة من قبل المؤسسة العسكرية في الجارة الشقيقة..
ولعل أغلبكم، شعر بـ”الشمتة” من فجائية القرار، قبل أن يملأ عينيه بالعجائب التي تفوق السبع في بلد الـ5 ملايين و630 ألف شهيد.
وبالمناسبة، فعجائب الجزائر كما تعلمون لا حصر لها، ويحق لي أن أقضم أظافري حسرة على عدم زيارتها قبل فرض “الفيزا” بقرار “جنرالاتي” على كل حامل لـ”باسبور مغربي”.
ذلك أنها الدولة الوحيدة في العالم التي فطن رئيسها، من دون الزعماء والعلماء، أن الحليب يُزرَع ولا يُحلب أو “يُنخَض” حتى، فوعد قومه بتخصيص 100 ألف هكتار لزراعة الحليب “غبرة” في حقول خاصة، وفي عمق الصحراء، وبالتالي، ستضاهي هذه “الحقول الأعجوبة” حدائق بابل المعلقة.
الحليب في هذه البلاد أعجوبة أيضا، فهو ليس كحليبنا الطبيعي الذي يُحلب من أبقار ضيعاتنا الوطنية التي تنتج فقط 2.5 مليار لتر سنويا، والمتاح وبالأنواع، في أبعد “حانوت” في “راس الجبل”.. الحليب هناك مستورد، وصناعي، و”غبرة من لفوق”، ولا يأتي إلا في شاحنات أشبه بشاحنات نقل الأموال عندنا.. إذن هو “حليب بالعز ديالو”، ولا يمكن الحصول عليه إلا بالتسمر باكرا أمام البقال، وقد تضطر من أجل الظفر بـ”باكية واحدة” منه إلى الوقوف في طابور طويل لما يزيد عن 6 أو 8 ساعات في انتظار “النوبة”، وطوبى لمن شربه، بعد “الخضخضة” طبعا، حتى تتجانس “الغبرة” بالماء.
الطابور أيضا أعجوبة في هذا البلد الذي فرض علينا “الفيزا“.
والذي سيُحرم كثيرون من الوقوف فيه أو مشاهدته عن قرب، ذلك أن مجموع الطوابير في المدن الجزائرية، إذا جمعت طولها، حتما ستفوق بشاهدة الجزائريين أنفسهم، طول صور الصين العظيم.
البطاطس هي الأخرى أعجوبة هناك، وسيتعذر علينا للأسف تذوقها مع هذا القرار.. فقد شرفها الرئيس شخصيا بالحديث عنها في أكثر من خطاب رسمي في عهدته الأولى، وأقر بأن دولته حققت اكتفاءً ذاتيا في “زريعة بطاطا”، في أفق انتاجها في عهدته الثانية..
وكذلك الشأن بالنسبة للعدس واللوبيا، فقد خصهما الرئيس أيضا بحديث لصحافة بلده، واعتبر المساس بهما من قبل المضاربين، جريمة من شأنها زعزعة أمن واستقرار الجزائر، بل وألغى الشرطة والمحاكم، وتكلف شخصيا بالعقاب بعدما أقسم بأغلظ الأيمان، بقوله عن المضاربين “أقسم بالله يا للي حكمتو (أي شديتو وأحكمت قبضته) حتى يندم على النهار للي دزاد فيه”.
إذن مع فرض “الفيزا” علينا كمغاربة ضاع نصف عمرنا إن لم نتذوق، ولو صحنا واحدا من عدس ولوبيا الجزائر المشمولين بالعناية الرئاسية، أما “البنان” هناك، فالحديث عنه “ذو سجون“.
الرئيس هناك أعجوبة هو الآخر، إذ لا يملك من السلطات التي يمنحها له الدستور إلا سلطة اللسان، فهو على دراية بكل شيء ويتحدث دون حرج في كل شيء، ذلك أنه ملك الأرقام، يفصلها كيف شاء ووقتما يشاء، إذ أنه الرئيس الوحيد في العالم الذي بشر قومه بأن دولته خرجت هاذ العام (2024) من التخلف الكلي، لتصبح فجأة ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا، ولم تمر سوى أشهر قليلة، حتى بشر القوم نفسه، في حملته الانتخابية التي لم يكن يحتاجها أصلا، بأن الجزائر أصبحت ثالث اقتصاد في العالم.
فعدا الولايات المتحدة الأمريكية المصنفة الأولى عام 2024، والصين ثانيا، فإن الرئيس تجاوز بدولته اقتصاد ألمانيا الذي كان ثالثا هاد العام، بل وأزاح ما تلاها كاليابان والهند وانجلتر وفرنسا وإيطاليا وكندا.
وفوق ذلك، رفع من قيمة الدينار الجزائري فأصبح يساوي 140 دولارا أمريكيا، متفوقا بذلك على الدينار الكويتي الذي يعد أقوى عملة في 2024 بكونه يساوي 3,25 دولارا، أو الجنيه الإسترليني الذي يساوي 1,25 دولارا.
في الحقيقة، مازلت مصدوما من قرار فرض النظام الجزائري “الفيزا” علينا، وأنا الذي كنت أتطلع لزيارة الجزائر، ولو من بوابة تونس، ولما لا العمل هناك، ولو بدينار واحد في اليوم، هذا فضلا عن كونها بلد الحريات والديمقراطية، فلا أنسى يوم كشف الرئيس شخصيا بأن “كل الديمقراطيات تاع أوروبا تزادت في الجزائر“.
وعلى ذكر الديمقراطية والحرية، لا شك أن البعض منكم، أو أكثركم، مثلي تماما، يعشق أفلام التجسس، أو روائع الأفلام البوليسية الحبلى بالتشويق والإثارة والدم، ففي هذا البلد، بمجرد أن تطأ قدامك أرضها، يستقبلك جاسوس أو أكثر في المطار، قد لا تراه، لكنه يراك.. وحين تفطن إليه، يخرج لك آخر من محفظة الجيب، وقد يستقر في “الكارط ميموار” بهاتفك المحمول وأنت لا تدري، وحين يخبرك “لونتي فيروس” بمكان الجاسوس، يختفي تماما بسرعة البرق..
فالجاسوس هناك قد تشربه ساخنا في المقهى، وقد تجده يتدحرج في كرة القدم في بطولة الدرجة الأولى، وقد يفاجئك في قفل باب الفندق، وتحت الوسادة، وقد يقف عليك في الحلم..
ولأنك استفقت مفزوعا، وأصبحت تخشى على حياتك، تماما كما في الأفلام، قد تسارع إلى المرحاض كي تغسل وجهك، فيتدلى لك جاسوس آخر بلوازم العطس من الصنبور فيتهمك بالتجسس.
الكل هناك يراقب الكل، فهذه دولة يحكمها العسكر وحده، ومادام الحكم للعسكر فـ”الديمقراطية عندهم في القلب فقط”، وليست سلوكا وثقافة وممارسة.. لذلك يا عشاق أفلام التجسس، لن تجدوا مثل هذه الإثارة و”السوسبانس” في بلد آخر غير الجزائر.. أما وقد حاصرونا بـ”الفيزا والباسبور” فما علينا إلا التَفَكُّه.. لأن كترة الهم القادم بـ”العُرَّام” من هناك كتضحك.. ودوزو بخير“.
*عن المنعطف بتصرف