عبد الرحيم جيران

 

الفكر مغامرة مركبة ومعقدة تحتاج إلى كثير من الصبر وإعداد العتاد اللازم، وأكثر من ذلك إلى الافتتان الصوفي والإخلاص له. ولكن كل ذلك يصير مجرد فعل لا طائل من ورائه من دون إستراتيجية واضحة المعالم، محددة المسالك، ومن دون انخراط المجتمع في توفير الأرضية المناسبة لها والوسائل اللازمة، بما يجعلها قابلة للاغتناء والتطور.

ولا يستقيم الفكر من غير حسم مع المعوقات التي تمنعه من الانطلاق، وهي كثيرة، من ضمنها الوصاية والحجر، وانعدام الحرية، وتسخيره لأغراض منافية لصيرورته الخاصة، وجعله مرتهنا بالأهواء والاعتقادات الراسخة، ووضع حدود منافية لشروطه ومبادئه، وقياسه بغير قياسه الخاص.

ولعل أخطر ما يهدد الفكر ويحوله إلى ممارسة مائعة الخلط في مستوياته ومجالاته وجعل إحداها رئيسة متبوعة والباقي خادما لها.. ولا يكون الفكر فكرا حيا إلا إذا تَضمّن في منظومته ما يجعله قابلا للتطور ومراجعة أسسه، في تواز مع المستجدات التي تطرأ في العالم. وكل فكر يتمسك بأصول ومرجعيات ثابتة مآله الفشل وتعويق سبل النهوض بالمجتمع.

ومن الشروط الواجبة في الفكر قيامه على السؤال النقدي، لا على الإجابات الجاهزة، التي تتكرر، فكل منحى فكري يتسم بخاصية الثبات هذه ينتج نمطيات تسلب المرء فضيلة الابتكار. وإذا ما وجدت منظومة فكرية لا تنتج فنانين ومبدعين في مختلف مجالات الخلق والابتكار فاعلم أنها لا تعدو كونها العقبة الأولى في تطور المجتمع، لأن من لا يملك القدرة على الخيال ويفتقر إلى ملَكة التخييل لا يقوى على أن ينتج أفكارا سليمة للرقي بوطنه ومجتمعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *