*أحمد الدافري

سيدي الأستاذ، الموظف في قطاع التربية والتكوين، الشاب ذو اللحية القصيرة، الذي كنت تنتظر فقط أن تتاح لك فرصة التعليق عندي، بحيث ما أن قبلت صداقتك، حتى بدأت في السب، وفي التعبير عن السخط والغضب من هذا البلد الذي يجمعنا أنا وأنت العيش فيه.

أستاذي.

أنا لا أرغب في الدخول في مزايدات حول مدى صدق انتماء أي واحد منا إلى هذا البلد.
لكن، فيما يتعلق بالعلاقات الدولية والسياسة الخارجية، لست أنت ولا أنا من يحددها أويغير توجهاتها.
فأنت وأنا الذي مثلك، مجرد موظفين، نتقاضى رواتبنا من خزينة هذا البلد مقابل عمل نؤديه، وأتمنى أن يكون أداؤنا له كاملا وغير ناقص ولا تقاعس فيه ولا غش.

أستاذي.

حين تقول بأن المغرب أصبح كلب حراسة لسبتة المحتلة، فإن كلامك هذا حتى لو اعتبرنا أنه يندرج في إطار حرية الرأي، فإن الكلاب لا علاقة لها بالموضوع، لأن الحدود يحرسها الرجال وليس الكلاب.

سيدي.

أنت تعلم أن عبارة “سيروا حرروا سبتة ومليلية” هي العبارة التي يتلذذ بترديدها ذباب البلد الجار.
لذا يجب الوقوف عندها.

أستاذي.

أنت ربما تعلم، أو لا تعلم، أن من صنع خريطة وحدود البلد الجار الذي يردد ذبابه تلك العبارة، هي فرنسا بعد أن قامت بنهب واحتلال أراضي الغير.

تابع معي أستاذ ما سأرد به عليك، ولتكن قشابتك واسعة بعض الشيء.

أستاذي.

هناك مراجع جد هامة في التاريخ، أحيلك على واحد منها هو :
‏Histoire de la Constantine sous la domination Turque de 1517 à 1837

(تاريخ قسنطينة تحت الهيمنة التركية من 1517 إلى 1837).

الكتاب كتبه Eugène Vayssettes أوجين فايسيت، الذي ولد سنة 1826 وتوفي سنة 1899، والذي كان مُدرّسا ومترجما عاش في مدينة الجزائر تحت حكم الفرنسيين.

الكتاب يحتوي على عدد من الوثائق والمخطوطات الأصلية، بما في ذلك الكتب والمقالات المنشورة منذ عام 1862، حول ماضي الجزائر، وقد أعيد نشر هذا الكتاب سنة 2002، بمساهمة ناشر جزائري باحث في التاريخ اسمه Ouarda Siari Tengour، وكتب له المقدمة باحث جزائري في التاريخ اسمه هارون حمادو.
أي أن الشاهدين على دقة المعلومات هما باحثان جزائريان من أهل البلد.

في هذا الكتاب نجد المؤلف يقول :

«لقد كانت قسنطينة في القرن السادس عشر مركزًا للتنوير، مثلما كانت بجاية تحت حكم بني حماد، وتلمسان تحت حكم المرينيين، حيث كانت الدراسات الإسلامية تعتبر شرفًا كبيرًا، إلى جانب الآداب والشعر».

المغرب يا سيدي كان في فترة الدولة المرينية يحكم تلمسان.

فهل كانت الجزائر حينها دولة؟.

أبدا. كانت وقتذاك هناك مدينة اسمها الجزائر يحكمها الأتراك ولديها مقاطعات صغيرة تابعة لها.

قسنطينة التي يتحدث الكتاب عن تاريخها، هي مدينة كانت تحت حكم الدولة الفحصية التونسية التي سيطرت عليها في القرن 13 الميلادي.
أما الجزائر فهي في الأصل مدينة.
مجرد مدينة.

أدعوك أستاذ إلى العودة أيضا إلى كتاب
‏L’ALGÉRIE AU SEIZIÈME SIÈCLE
‏Histoire et Réalité
لمؤلفه Rachid Zater رشيد زعتر، وهو ضابط متقاعد من الجيش الجزائري، ومفتش طبي إقليمي سابق، مكلف بالتدريس في المدرسة العليا للصحة العسكرية، ومحاضر في المدرسة العليا للإدارة العسكرية، وهو أيضًا باحث في تاريخ البحر الأبيض المتوسط، وحاصل على دبلوم في القانون الدولي الإنساني وحقوق النزاعات المسلحة.

يحاول هذا العسكري الجزائري المتقاعد في هذا الكتاب أن يتحدث عن وجود دولة جزائرية في القرن السادس عشر، لكنه يستعمل عبارة l’état d’Alger، أي دولة مدينة الجزائر، وليس l’état d’Algérie كما صنعتها فرنسا بعدما احتلت مدينة الجزائر وطردت منها الداي حسين التركي سنة 1830.

أستاذي.

الذين كانوا يحكمون مدينة الجزائر في بداية القرن السادس عشر هم قبيلة الثعالبة بقيادة الأمير سليم الثومي، الذي حاصرته سنة 1516 ميلادية القوات الإسبانية، انطلاقا من جزيرة بادس (صخرة بادس)، التي كانت قد احتلتها إسبانيا قبل ذلك بست سنوات..

في تلك الفترة كان القرصان التركي عروج الذي لقبه الإسبان باسم بارباروسا (اللحية الوردية لأنه كان يصبغ لحيته بالحناء)، وشقيقه خير الدين، قد استوليا على ميناء مدينة جيجل شرق مدينة الجزائر، وكان لديهما أسطول حربي قوي.
حينها طلب الأمير سليم الثومي من القرصان التركي عروج أن يساعده على فك الحصار الذي ضربه عليه الإسبان، فدخل عروج وأخوه إلى مدينة الجزائر عبر مينائها، واستوليا عليها، وقتلا أميرها سليم الثومي.

كان عروج ذاك، هو وأخوه خير الدين يمارسان القرصنة في البحر الأبيض المتوسط بتوجيهات من السلطان التركي كوركود الذي كان لديه صراع على حكم الدولة العثمانية مع أخيه سليم، حيث استطاع سليم أن يتخلص من كل إخوته الذين تصارعوا على خلافة والدهم السلطان بايزيد الثاني، ونصب نفسه سلطانا على الدولة العثمانية بدعم من الجيش الانكشاري، وقام بتنصيب عروج بارباروسا حاكما على مدينة الجزائر، التي أصبحت منذ سنة 1516 تابعة لحكم الأتراك، وتعاقب على حكمها حكام أتراك يسمون دايات (جمع داي) استطاعوا أن يؤسسسوا إيالة (إمارة تركية) تتكون من عدد من الولايات (بايلكات)، عينوا عليها بايات أتراك (جمع باي)، تابعين لهم، منها بايلك الشرق وعاصمتها قسنطينة، وبايلك الغرب وعاصمتها وهران، وذلك بعد إسقاط حكم الفحصيين الذين حكموا مدينة بجاية ومدينة قسنطينة، علما أن الفحصيين منحدرون من سلالة أبو حفص بن عمر المنتمي إلى قبيلة مصمودة المغربية نواحي مراكش ، والذي كان أحد أتباع محمد بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية المغربية، وكان ابنه أبو زكريا الفحصي هو الذي أسس إمارة الفحصيين التي حكمت تونس وقسنطينة وبجاية، في وقت كانت فيه وهران مقاطعة إسبانية يحكمها مقيمون عسكريون إسبانيون من سنة 1509 إلى سنة 1708 ميلادية، قبل أن يستعيدها الأتراك في عهد السلطان التركي أحمد الثالث، ليستولي عليه الإسبانيون مرة ثانية إلى غاية سنة 1792، ثم تعود مرة أخرى إلى حكم العثمانيين الأتراك، إلى أن سقط حاكمها الباي حسن سنة 1831 في يد الفرنسيين، الذين كانوا قد طردوا الداي حسين التركي من مدينة الجزائر واستولوا عليها سنة 1830، قبل أن يوسعوا نفوذهم ويحتلوا أراضي القبائل والدول المجاورة، ويصنعوا ما سموه الجزائر الفرنسية، التي سلموها لحكام عسكريين سنة 1962 بمقتضى استفتاء يلزم حكام الدولة المستحدثة بالتعاون مع فرنسا.

أستاذي.

هل حرر الجزائريون مدن الجزائر ووهران وقسنطينة وبجاية وغيرها من الاستعمار التركي؟

أبدا.

إن الإمبراطورية الفرنسية القوية في تلك الفترة، هي التي حررت إيالة الجزائر من الأتراك، ووسعت مستعمراتها خارج تلك الإيالة، وصنعت خريطة استعمارية شاسعة، وسلمت أرضا جاهزة لحكام عسكريين بعضهم تلقوا تكوينهم في الثكنات الفرنسية، كي ينوبوا عنها في تسيير دولة جديدة سميت سنة 1962 باسم الجمهورية الديمقراطية الجزائرية، وذلك بعد أن قررت فرنسا تخفيف الضغط عليها داخليا وخارجيا، وبالخصوص استجابة لدعوات الخروج من الجزائر التي كانت توجهها دول كثيرة من داخل منظمة الأمم المتحدة، منها دولة المملكة المغربية.

نعود إلى المغرب أستاذي.

في الفترة التي استنجد الأمير سليم الثومي بعروج بارباروسا كي يساعده على فك الحصار الإسباني عن مدينة الجزائر سنة 1516، كيف كانت حالة الدولة المغربية؟

تأسست الدولة المرينية في المغرب سنة 1244 ميلادية بعد أن أسقطت الدولة الموحدية، وظلت تحكم المغرب إلى غاية سنة 1526 ميلادية.
قبل انهيار الدولة المرينية التي تركت مآثر حضارية علمية وعمرانية في المغرب، ظهرت طائفة من المرينيين، اسمها طائفة الوطاسيين، كانت تمارس مهام في الحكم داخل الدولة المرينية، حيث كان منها وزراء وعمال، واستقر عدد منهم في منطقة الريف المغربي، وبدأت تتنازع على حكم المغرب مع المرينيين.

حينها كانت قد بدأت تظهر خلافات بين المرينيين وبين دولة بني الأحمر في غرناطة حول أحقية امتلاك بعض الموانيء في الأندلس، وهو الخلاف الذي أدى إلى ضعف قدرة حكام المغرب والأندلس على التصدي لغزو الدول المسيحية التي كانت في طور النشوء، منذ بداية القرن الخامس عشر الميلادي، ومنها الإمبراطورية البرتغالية، التي تمكنت أن تجعل من نفسها قوة استعمارية قوية، بفضل سفنها الحربية، وعتادها العسكري، وأسلحتها الحديثة، وكان البحارة البرتغاليون في تلك الفترة هم الأوائل في الاستكشافات الأوروبية في ما وراء البحار، حيث تمركزوا في سواحل أفريقيا وكندا وآسيا والبرازيل، ورسموا خرائط لها، وهكذا سقطت سبتة في أيدي البرتغاليين سنة 1415م، فضعف أمر المرينيين، وتفشت داخلهم الصراعات، وانتقل الحكم إلى الوطاسيين الذين سيطروا على فاس سنة 1471م.

هل يا أستاذ، إزاء ذاك الوضع في تلك الفترة من تفكك الدولة المغربية والصراعات على الحكم، كان ممكنا أن تحرر الدولة المرينية أو الوطاسية مدينة سبتة من الإمبراطورية البرتغالية القوية جيشا وعتادا وسلاحا؟

تابع معي أستاذي.

بعد الإمبراطورية البرتغالية بزغت سنة 1472 الإمبراطورية الإسبانية التي بفضل قوتها العسكرية بحرا وبرا قامت باكتشافات كبرى جعلت منها قوة استعمارية قوية غزت إفريقيا وأمريكا الجنوبية، واستولت على مليلية سنة 1497 ميلادية سنوات قليلة بعد سقوط إمارة غرناطة، حيث استغل الإسبان الفوضى التي حدثت داخل الدولة المرينية بسبب الصراع مع الوطاسيين، وقامت الملكة إيزابيلا الأولى ملكة قشتالة، وفرديناند ملك أراغون باحتلال مليلية يوم 17 من سبتمبر 1497ميلادية.

بعدها، في سنة 1580م، توحد التاج الإمبراطوري الإسباني مع التاج الإمبراطوري البرتغالي تحت مسمى الاتحاد الإيبيري، وأصبحت كل المستعمرات البرتغالية والإسبانية في شبه الجزيرة الإيبيرية تابعة لإسبانيا، بما فيها مدينة سبتة ومدينة ومليلية وباقي الجزر والصخور التي استولت عليها.
وهكذا أصبحت هذه المستعمرات تابعة لإسبانيا منذ سنة 1580 إلى اليوم.

أستاذي.

سبتة ومليلية الآن مدينتان تحظيان بالحكم الذاتي، وهما تابعتان لإسبانيا.

كما أن جبل طارق داخل إسبانيا مدينة تحظى بالحكم الذاتي تابعة للتاج البريطاني.

كما أن جزر فوكلاند المجاورة للأرجنتين تابعة للتاج البريطاني..

أستاذي.

مدن سبتة ومليلية والجزر الجعفرية وجزر أخرى في البحر الأبيض المتوسط، وجبل طارق، وجزر فوكلاند، كلها أراضٍ لا يمكن استردادها إلا بقرار من منظمة الأمم المتحدة التي بالنسبة إليها حاليا الوضع سليم في هذه الأراضي التي هي محفوظة لديها ضمن سجلات باسم كل دولة تمارس هيمنتها عليها.

فكيف يا أستاذ يمكن أن تعود سبتة ومليلية إلى المغرب، وأن يعود جبل طارق إلى إسبانيا، وأن تعود جزر فوكلاند إلى الأرجنتين؟

الأرجنتين حاولت استرجاع جزر فوكلاند التي تسمى أيضا مالوين أو جزر مالبيناس بالإسبانية، وذلك بالدخول في حرب ضد إنجلترا اندلعت يوم 2 أبريل 1982.

إنجلترا تعتبر تلك الجزر تابعة للتاج الملكي البريطاني منذ 1841م.

دخلت الأرجنتين بجيش إلى الجزر وأحكمت قبضتها عليها.

لكن إنجلترا بعثت طائراتها الحربية وسحقت الجنود الأرجنتينين وأنهت وجودهم في الجزيرة الذي لم يدم أكثر من ثلاثة أيام.

جيد.

هل تريد أستاذي أن نعيد سبتة ومليلية بإعلان الحرب ضد إسبانيا التي تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي الذي يتكون من 32 دولة من أوروبا وشمال أمريكا، منها ثلاث دول عضو دائم في مجلس الأمن ولديها حق الفيتو، هي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة؟

هل استاذي تريد أن نحارب 32 دولة؟

أم ينبغي سلك طرائق أخرى غير الحرب، اعتمادا على التفاوض والحوار والديبلوماسية؟

نعم أستاذ.
إن سبتة محتلة. ومليلية محتلة. وأراض أخرى في العالم محتلة؟

لكن..
هل هي بالنسبة إلى القانون الدولي والأمم المتحدة محتلة؟

هل صدام حسين عندما اعتبر أن الكويت أرضا عراقية وغزاها سنة 1990 بقي مجلس الأمن يتفرج؟

ألم يكن الغزو العراقي للكويت السبب في فرض عزلة على العراق، مما أدى إلى انهيار نظام صدام حسين؟

هل الأزمات بين الدول تُحل بالتهور والعنجهية وتخراج العينين والصنطيحة؟

افتِ لنا يا أستاذ في أمرنا، وفي أمري أنا كذلك، حتى أغير تفكيري، وأبدأ أكتب مقالات وأنجز روبورتاجات بمقاس يتناسب مع رأيك أستاذي، وأطالب مثلك الدولة المغربية، بألا تحرس حدودها مع سبتة، وألا تمنع من يريد التسلل إليها، حتى لا تكون كلب حراسة.

جازاك الله بألف خير.

وهذا ما كان.

*أستاذ جامعي وكاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *