في قلب منطقة أورتزاغ الهادئة، باقليم تاونات، كانت المناسبة تعيين إحدى المدرسات كأستاذة جديدة في مؤسسة تعليمية محلية، كان بديهيا أن يرافقها والدها من أجل مساعدتها على الالتحاق بعملها.

الأب الذي لم يسبق له زيارة المنطقة ابدا  تفاجأ بوضعها البئيس حيث كل مؤشرات التنمية غائبة تماما.. في لحظة بوح لأحد زملائها في العمل أطلق صيحة حملت معانٍ أعمق مما يبدو للوهلة الأولى.

وقال الأب، بنبرة تعبر عن استياء وحزن: “البلاد ممخدوماش”.. هذه العبارة البسيطة التي صدرت عن مواطن مغربي تعكس إحباطًا عميقا بشأن تدهور البنية التحتية في هذه المنطقة النائية، وتكشف عن واقع يواجهه سكان أورتزاغ بشكل يومي.

شهادة من قلب المعاناة .. بدون تحيّز

ما يجعل هذه الكلمات مميّزة هو كونها صادرة من شخص لا يبحث عن منصب سياسي أو مصلحة شخصية، إنه أب حضر ليطمإن على ظروف عمل ابنته المعلمة، ليصطدم بواقع يُعاني منه سكان جماعة أورتزاغ منذ سنوات.

هذه الشهادة العفوية القادمة من هذا الشّخص البسيط، تحمل مصداقية تعبر عن حالة إحباط شعبي عارم تجاه الأوضاع في المناطق الأقل حظًا من التنمية..

كلمة “ممخدوماش” لا تحتاج إلى تفسير معقد، فهي تلخص معاناة طويلة مع البنية التحتية المهترئة، والخدمات الأساسية المتدهورة، و الطرق غير المعبدة، و نقص المرافق العامة، وضعف الخدمات التّعليمية والصحية، كلها عوامل تجعل من الحياة اليومية تحديًا كبيرًا.

البنية التحتية المهترئة .. قيد يعيق التنمية

حديث الأب يعكس مشكلة جوهرية ليست فقط في أورتزاغ، بل في عدد من المناطق النائية المجاورة ( بني كيسان – تافرانت – مولاي بوشتى الخمّار … ).

كيف يمكن أن ينجح المعلمون في تأدية دورهم في تعليم الأجيال الجديدة إذا كانت بيئة العمل نفسها لا توفر لهم الحد الأدنى من الدعم ؟؟ كيف يمكن للسكان أن يطمحوا إلى حياة حرّة و كريمة إذا كانت أبسط مقومات العيش غائبة ؟؟

إن تدهور البنية التحتية في أورتزاغ يعيق كل محاولة للتطوير، لأن كل الطّرق التي تؤدي إلى المدرسة وعرة، و المرافق الصحية شبه معدومة، والموارد الأساسية تكاد تكون غير متوفرة، هذا الوضع لا يؤثر فقط على السّاكنة المحلية، بل يعكس صورة قاتمة عن مدى اهتمام الجهات المسؤولة بجماعة أورتزاغ و المناطق المتّصلة مع حدود نفوذ مجالها التّرابي، و ذلك بالرّغم من موقعها الاستراتيجي الذي يربط شمال الإقليم بجنوبه، وشرقه بغربه، و مكوناتها الثقافية و البيئية منقطعة النّظير.

تاونات

البلاد ممخدوماش .. صرخة تتلمّس التّغيير

هي صرخة قد تكون بداية لحركة تغيير حقيقية، تصريح هذا الأب ليس نقدًا عابرا فقط، بل دعوة للتّحرك. إنه يطالب بالاستثمار في الإنسان والمكان، و بتطوير البنية التحتية والخدمات العامة لتلبية احتياجات السكان وتوفير بيئة ملائمة للمهن الاستراتيجية للأمة مثل التعليم، إسوة بكافة المناطق في المغرب.

التحدي الأكبر أمام السلطات العمومية و الأجهزة المنتخبة و المجتمع المدني اليوم، هو تحسين الظروف المعيشية للسكان في جماعة أورتزاغ، والعمل على تقديم حلول ملموسة وسريعة لكافة نقاط الضعف المسجّلة، لأن الإصلاح في مغرب اليوم بات يستلزم أوراش كبرى، بل يحتاج إلى خطوات عملية مدروسة، و مقاربات علمية جديدة تستهدف القفز على المراحل لتعويض سنوات طويلة من التّهميش و الكساد.

الحقيقة المؤلمة.. والتحدي المستقبلي

ما قاله هذا الأب يعكس واقعًا مريرًا يواجهه الكثير من المغاربة في المناطق المهمشة وليس في جماعة أورتزاغ لوحدها. قد يختلفون في المدن و القرى، ولكنهم يشتركون في معاناة مماثلة مع نقص البنية التحتية والخدمات الأساسية.  الحل ليس سهلًا، لكنه ليس بالمستحيل.

 تحسين جودة الحياة في المناطق النائية مثل جماعة أورتزاغ، يتطلب التزامًا جادًا من الدولة والمجتمع على حد سواء، لتحويل العالم القروي إلى مناطق جذب، لا مناطق هجرة.

الاستثمار في أورتزاغ يجب أن يبدأ من البنية التحتية، الطرق المعبّدة، المدارس المجهّزة، المرافق الصّحية المناسبة…  و كلّها ليست رفاهية، بل حقوق أساسية.

إذا أرادت الدولة تحقيق التنمية الشاملة، فإن عليها أن تبدأ من هذه المناطق، لأنها تمثل العمود الفقري لأي مشروع تنموي وطني ناجح.

هل الحلم ممكن ؟؟

تصريح هذا الأب البسيط يحمل في طيّاته دلالات كبيرة إذا ما استمع إليه من بيدهم القرار.

 هي  دعوة إذا للاستثمار في الإنسان والبنية التحتية في جماعة أورتزاغ، بل في كل المناطق التي تعاني من نفس التهميش.

هذه الشهادة البسيطة يمكن أن تكون شرارة لبداية وعي جديد بأهمية المناطق الجبلية  ودورها في دفع عجلة التنمية في المغرب. فإذا كانت البلاد اليوم “ممخدوماش”، فإن الغد حتما سيكون مشرقًا و مخدوما بفضل تظافر جهود كافة المتدخلين في التّنمية.

نبيل تويول ( طالب في معهد الصحافة بفاس)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *