في مشهد تدخل فيه البطلة إلى غار ثم تنزل عليها صخور جبلية اهتزّت الأرض من تحتي وفي الثواني الأولى لزلزال الحوز، لم أستوعب إن كنت أعيش داخل السلسلة أم هو إنفجار لقنبلة.
*وداد ملحاف
صراحة ترددت كثيراً قبل كتابتي عن تجربتي بزلزال الحوز، تجربة إنسانية غيرت نظرتي لدوامة الحياة وتوترنا اليومي من أجل أشياء لا تستحق تعكير المزاج.
أتذكر ، يوم الزلزال كنت بمدينة مراكش في مهمة عمل كمسؤولة عن التواصل ضمن فعاليات لحدث من تنظيم اليونيسكو “جيوپارك اليونيسكو”.
المفارقة العجيبة أن أفضل وأشهر جيولوجيي العالم اجتمعوا في هذا الحدث الدولي وكانوا شهوداً على هذا الزلزال المدمر.
في هذا اليوم بالضبط أصابني صداع نصفي لا يحتمل إضطررت أن أتناول مسكنات قوية، ثم آويت إلى فراشي وأنا أشاهد سلسلة “عطية” التركية على نتفليكس.
وفي مشهد تدخل فيه البطلة إلى غار ثم تنزل عليها صخور جبلية اهتزّت الأرض من تحتي وفي الثواني الأولى لم أستوعب إن كنت أعيش داخل السلسلة أم هو إنفجار لقنبلة.
المهم استمرّت الأرض بالاهتزاز وظهرت الشقوق فوق رأسي ارتديت حذائي بسرعة، حملت هاتفي ونزلت مهرولة، شاهدت رجلاً في الممر بالكاد يحاول ارتداء ملابسه الداخلية ويحمل منشفة .
كانت ليلة عصيبة خصوصاً في الدقائق الأولى عندما تعذر على الجميع الاتصال الهاتفي.
بعد الاطمئنان على صحة والدتي التي كانت حينها بالدار البيضاء، أجريت إتصالاً مع صديق يتوفر على مأوى سياحي جميل على شكل bivouacs بمنطقة لالة تكركوست وطلبت منه أن نبيت أنا وفريق العمل والصحفيين هناك ليقوموا في الصباح الباكر بتغطية ما خلفه الزلزال في المناطق المجاورة بعد أن قام بعضهم بنقل أولى صور الزلزال وسط مراكش.
وفي الصباح الباكر أرسلت رسائل نصية لبعض الأصدقاء أعرض خدماتي بشكل تطوعي من أجل تقديم خدمات التواصل.
قضينا اليوم في التنقل بين المناطق والدواوير المنكوبة وفي المساء قضينا ليلة أخرى في فندق إيكولوجي آخر غي بعيد عن مدينة مراكش.
كل هذا والهزات الارتدادية لم تتوقف، لا أخفيكم أن الهلع انتابني في كل مرة اهتزّت الأرض بعدها كان ولازال نومي مضطرباً لحد اليوم.
وفي نهاية اليوم، تلقيت اتصالاً من صديق عزيز على قلبي يسألني عن إمكانية الالتحاق بمؤسسة محمد الخامس للتضامن كمتطوعة لتسيير التواصل والعلاقات مع وسائل الإعلام.
لم أتردد ولو لثانية وأجبته على الفور بالموافقة، التحقت بمستودع استقبال وتخزين المساعدات بمنطقة سيدي غانم.
لا أخفيكم أنني كنت فخورة بكرم أبناء وبنات وطني حينها، تهاطلت المساعدات بمختلف أنواعها من كل فئات المجتمع، ومن كل الجمعيات والمقاولات، (خليكم من صحاب السلوكات المشينة الله يسمح ليهم).
تركيزي على ما هو إيجابي في هذا التجربة التي جعلتني أكتسب صداقات وعلاقات إنسانية جميلة مع كل العاملين في هذه العملية الإنسانية.
وهنا أخص بالذكر السيد محمد الأزمي منسق وعضو المجلس الإداري لمؤسسة محمد الخامس للتضامن وجل أطر المؤسسة والقوات المسلحة الملكية وأطر وزارة الداخلية والوقاية المدنية والأمن الوطني والدرك الملكي والإنعاش الوطني وأطر وزارة الصحة والمساعدات الاجتماعيات والمكتب الوطني للسلامة الصحية ووزارة الاتصال وبعض المنتخبين…
عمليات الإنقاذ ومد يد المساعدة خلال فترة تواجدي هناك كانت بمنتهى التفاني والإيثار والجدية من طرف كل المتدخلين ولن ينكر ذلك إلا جاحد.
وأنا أشاهد اليوم الفيضانات والسيول التي جرفت مناطق من الجنوب الشرقي، والتي هي بالمناسبة أرض الأجداد وبالضبط زاوية أوزدين، قلبي ينفطر عند مشاهدة ما خلفته من دمار ووفيات.
وإن أتيحت لي فرصة المساهمة في مهمة تطوعية جديدة لن أتردد مرة أخرى ، أقوم بذلك في حدود الممكن والمتاح.
لا أدعي كوني ملاكا أو الأفضل في مجال عملي لكنني عندما أشتغل أشتغل بأمانة وصدق.
صحيح أن نجاعة وفعالية عملية الإغاثة في الحوز خلال فترة تواجدي هناك لم تكن لتتم لولا الإرادة القوية لكل الفاعلين.
أملي أن تستمر هذه الإرادة بنفس المستوى للدفع بعجلة التنمية في هذه المناطق المهمشة من خلال سياسات عمومية تجعل من العدالة المجالية في قائمة أولوياتها.
سكان هذه المناطق لا زالوا يتحلون بميزات وصفات صرنا نفتقدها في المدن الكبرى كالصبر والكرم وحسن النية والطيبة.
أتمنى من منتخبينا وسياسيينا (ولا أعمم هنا) أن يغيروا نظرتهم لساكنة هذه المناطق من مجرد أصوات انتخابية إلى مواطنين يستحقون عيشا وحياة كريمة.
وفي الختام أود أن أعبر عن امتناني لكل من ذكرتهم سابقا في هذه الشهادة عن التطوع بمؤسسة محمد الخامس للتضامن.
ولا يفوتني أن أشكر كل وسائل الإعلام الجهوية والوطنية والدولية وكل الصحافيين الذين اشتغلت إلى جانبهم خلال تغطية أحداث الحوز وفريق عملي وأقدم اعتذاري لكل من لم أستطع الاستجابة لطلباتهم ليس تقصيرا بل أحيانا يقوق الأمر طاقتي…
حفظ الله المغرب…
*صحفية مغربية