إن مآسي نزع الملكية ومتاعب التعويض، كما حصل مع الراحل الطاهري وغيره، إن كانت قد استفحلت في وزارة التجهيز، على عهد “تغول” أذع حكومة “لا عدالة ولا تنمية” في عدد من المؤسسات، فإنها باتت تستدعى على عهد حكومة الدولة الاجتماعية التي في عضويتها زعيم حزب “الميزان” الوزير الوصي على القطاع نزار بركة،  تدخلا عاجلا من المسؤولين المعنيين.

*جواد مكرم -LE12.MA

بعد سنوات من الركض وراء السراب، على عهد حكومة يترأسها حزب اسمه “العدالة أولا والتنمية ثانيا”، دُفن المواطن محمد الطاهري تحت التراب، وفي قلبه غصة “صعوبة التنفيذ”، التي واجهته بها وزارة التجهيز والنقل واللوجيستك أمام القضاء الإداري.

المواطن الطاهري، الذي غادر دنيانا قبل أشهر غمّا وكمدا، نُزعت ملكيته لعقار بالشمال، لتتحوّل ما تعتقد الدولة أنها “مشاريع ذات منفعة عامة”، إلى مأساة اجتماعية لأسرة بكاملها، ضاعت منها أرضها ولم تهنأ حتى بالحصول على التعويض المستحق، الذي خوّله لها الحكم القضائي، إذ بقي التعويض “معتقلا” بسبب “صعوبة التنفيذ”!.

مات الطاهري، وبقي مِنْ خلفِه ورثةٌ ورثوا الغصة والألم والمعاناة، إذ كلما تجدّد الوزراء والمسؤولون في قطاعات ووزرات العدل والتجهيز والمالية، تجددت الآمال في نفوس هؤلاء الأيتام في الوصول إلى حقوقهم، قبل أن تدور عليهم الأيام والليالي فلا يحصلون إلا على “قبض الريح” ولا يجدون أمامهم إلا المأساة.

رغم استقلالية السلطة القضائية وفصلها عن وزارة العدل، ومغادرة وزير العدل الأسبق البيجداوي المصطفى الرميد لدواليبها، وجلوس الاستقلالي نزار بركة على كرسي وزارة التجهيز، خلفا للوزيرين البيجداويين عبد القادر عمارة وعزيز رباح، لم تجد عدد من ملفات ذوي الحقوق طريقها الى التسوية.

وحدها، الحركات الانتقالية الواسعة التي همّت عددًا من القضاة في القضاء الإداري، هي التي أعطت أملا كبيرا في وقف نزيف إثارة “صعوبة التنفيذ”، وما قد يترتّب عنها من خسائر للدولة وذوي الحقوق…

 وهنا نذكّر بالتصدّي الحازم لهذه “الظاهرة” من قِبل رئيس سابق لإدارية الرباط، مشهود له بالاستقامة والكفاءة، يقرن الأقوال بالأفعال على نحوٍ أوفى بما تعهد به في كلمةِ حفلِ تنصيبه حين قال: “نتعهد بالسهر على التقيد بروح الدستور في كل توجهات المحكمة باستقلالية وتجرد في إطار منهجية قائمة على الحوار الصارم والإقناع الحازم”.

لقد كان هذا المسؤول القضائي يعي حجم المآسي، التي يقع فيها المنزوعة ملكيتهم، خصوصا منهم أولئك الذين لا هم بأرضهم ولا هم بالتعويض المحكوم لفائدتهم…

مأساة الطاهري مجرد نموذج، فهناك أعداد كبيرة من أمثال الطاهري، إذ تكشف المعطيات المتعلقة بتنفيذ الأحكام القضائية بشأن بعض الملفات، التي تكون وزارة التجهيز طرفا فيها، عن وجود شبهة اختلالات قد تكون وراء ضياع مستحقات العديد من ذوي الحقوق.

ولعل ما يثير الاستغراب، عند التدقيق في هذه المعطيات والإحصائيات المتوفّرة، ليست الهيمنة اللافتة لأحد مساعدي القضاء من حزب العدالة والتنمية على الترافع، منذ سنوات، على غالبية منازعات وزارة التجهيز في مواجهة الغير.

ولكن النتائج الكارثية لتدبير هذه المنازعات و”تعطيل” تنفيذ الأحكام، والتي خلّفت، تمثيلا لا حصرا، مأساة الراحل الطاهري، لأن هناك مآسي إنسانية، مؤلمة ودامية أحيانا، للعديد من ذوي الحقوق من أمثال الطاهري…

المعضلة هنا، التي تطرح أكثر من علامة استفهام، أنه إذا كان القضاء الإداري، كما هو الحال في إدارية الرباط، لا يستصدر قراراته إلا بناء على ما بين يديه من ملفات الخصومات، وما راج أمام جلساته الموقرة من مرافعات، وما استقر إليه النظر الفقهي والقانوني من اجتهادات، فإن “العقبة”، التي تُعثر “حمار الشيخ”، هنا، هي عندما يتعلّق الأمر باستعمال ورقة “صعوبة التنفيذ”، في مواجهة ملفات بعينها، تحرّكها وزارة التجهيز دون غيرها!!!.

اللافت، أيضا، أنه طوال “السنوات العشر العجاف”، التي حكم فيها إسلاميو البيجيدي، عرفت آلية الدفع بـ”صعوبة التنفيذ”، وخاصة على عهد المسؤول عن قسم المنازعات في وزارة التجهيز، ارتفاعا مثيرا للانتباه، شأنه شأن ارتفاع نفقات هذه الوزارة، والتي يصرف منها لعدد من المحامين الذين يدافعون عن هذه الوزارة في مواجهة الغير، ليس في الرباط فقط، بل في مختلف المحاكم الإدارية للمملكة…

المأساة تزداد استفحالا حين البحث في بعض ملابسات الدفع بـ”صعوبة التنفيذ”، إذ يبدو مشوبا بالتمييز بين عمر وزيد من ذوي الحقوق، بين البرلماني والمواطن العادي، بين أصحاب المال والنفوذ وبين خصوم الوزارة من عامة الناس ومفلسي النقود…

هكذا يبدو، إذن، المشهد العام، انطلاقا من الوثائق التي بحوزة الجريدة، ما لم تكن هناك معطيات على خلاف ذلك، تدخل في خانة “أسرار قسم المنازعات”.

وبالعودة الى ما يقتضيه القانون، فأن “مبالغ التعويض”آ كان مقدارها ضخما أو خلافه،، والتي تصطدم بالدفع بـ”صعوبة التنفيذ”، الأصل هو أن تبقى مشمولة بالتجميد في صندوق المحكمة قبل سلك مسطرة استرجاعها لخزينة الدولة.

 إذ من شأن الدفع المذكور،  وفق القانون، أن يُبطل تحويل المبالغ إلى ملفات أخرى غير مشمولة بصعوبة التنفيذ، لأن غير ذلك، قد يشكل مسا صريحا بالنفقة العمومية وخصائصها القانونية، وعلى رأسها مبدأ الصدقية المحاسباتية، إن لم يكن كذلك في رأي القانون.

 الأكثر من ذلك أن أي تحريك لهذه المبالغ قد ينطوي على خرق مبدأ السنوية والإسمية ما دام الاعتماد المالي في أصله تم التأشير عليه تحت رقم ملف تنفيذي بعينه، ولا يمكن تحويله لفائدة ملف آخر.

والسلوك المسطري، الذي يفرضه القانون هنا، هو: أولا، إرجاع مبالغ التنفيذ إلى الخزينة العامة، وإعادة تخصيصها للملف الجديد المراد تنفيذه، بعد إيداعها من جديد في صندوق المحكمة من أجل التنفيذ..

وثانيا، تجنّب التأشير على اعتمادات تنفيذ الملفات وتحويلها إلى صندوق المحكمة في ظل الإقرار بوجود صعوبة في التنفيذ، وإلا فإننا قد نكون أمام شبهات التلاعب بسوء نية بودائع ذوي الحقوق، بل قد يرتقي الأمر إلى فعل جُرمي أفدح يتمثّل في الاستهتار بالأحكام القضائية والتلاعب بالمال العام الموجه للتنفيذ!!!.

ومن الصدف، أن أتت معالجة الجريدة لهذه القضية، بعد أيام من إشارة وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بمناسبة مناقشة مشروع قانون المسطرة المدنية في مجلس النواب، إلى بعض الاختلالات في مسطرة التنفيذ، وكذا إلى ما اعتبر محدودية دور الوكيل القضائي في حماية أموال الدولة أمام القضاء الإداري، خاصة في قضايا هي في الأصل ناتجة عن أخطاء مسطرية للإدارة أثناء مباشرة نزع الملكية للمواطنين.

وزير العدل أوضح حدود ما وصف ب “المحدودية” وهو يبرز أن الوكيل القضائي لا يصل إلا إلى 40 في المئة من الملفات القضائية الرائجة ضد الدولة.

ولذلك، ولسدّ ثغرة (محدودية مؤسسة الوكيل القضائي) في الإحاطة بمجموع الملفات الرائجة أمام القضاء، كشف وزير العدل أنه يدرس مع رئاسة السلطة القضائية، إخراج تصور قد يقوم على تعويض الوكيل القضائي بمؤسسة النيابة العامة…

في انتظار الحلّ الموعود، وبالعودة إلى ما راج في الجلسة البرلمانية من معطيات ومناقشات الوزير والنواب، يتبيّن أن هناك معضلة حقيقية، تنتج عنها معاناة اجتماعية ومآسي إنسانية. وقد لاحظنا كيف أن هذه المآسي تستفحل أكثر عندما يتعلّق الأمر بالقضايا ذات الصلة بوزارة التجهيز.

 فهناك مبالغ طائلة يتمّ تحويلها، عبر القنوات المختصة، من وزارة التجهيز إلى صندوق المحكمة، لكن دون أن ينعكس ذلك إيجابا على مؤشرات تنفيذ الأحكام أو على تصفية النفقات العمومية، التي يتعين، حاليا ودون إبطاء، بذل جهود مضنية لاسترجاع أموالها إلى خزينة الدولة.

إن مآسي نزع الملكية ومتاعب التعويض، كما حصل مع الراحل الطاهري وغيره، إن كانت قد استفحلت في وزارة التجهيز، على عهد “تغول” أذرع حكومة “لا عدالة ولا تنمية” في عدد من المؤسسات، فإنها باتت  تستدعي، على عهد حكومة الدولة الاجتماعية التي في عضويتها زعيم حزب “الميزان” الوزير الوصي على القطاع نزار بركة، تدخلا عاجلا من المسؤولين المعنيين.

تدخل، يكون مؤطر بالدستور والقانون، ينتصر أولا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ويوقف هذا النزيف، حفاظا على حقوق جميع الأطراف، لتتحقّق العدالة، التي يصبو إليها المغاربة اليوم كاملة غير منقوصة ولا مجزأة، وهم يخلدون ذكرى مرور ربع قرن من حكم الملك محمد السادس…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليقات
  1. مسؤول قسم المنازعات هو المسؤول عن هذه الإختلالات ، والله وحده يعلم حجم الثروة التي استطاع جمعها خلال مدة مسؤوليته التي فاقت العشر سنوات مسخرا جميع إمكانيات الوزارة لقضاء مصالحه فمن يدفع يحصل على التنفيذ مستعينا بصديقه المحامي الذي أصبح مليارديرا .
    هذه اختلالات خطيرة تستوجب المحاسبة بعد التدقيق في المبالغ التي تم التلاعب بها داخل صندوق المحكمة بواسطة قرارات قضائية مشبوهة على عهد الرئيس الأسبق للمحكمة الإدارية ..

  2. من هو هذا المواطن
    هل هو محام بهيئة الرباط
    اذا كان كذلك ف من الصدفة بالمكان انه يمتلك العديد من تلارض المنزوعة و هو محام كان يترافع على العديد من الملفات
    ومن الصدف ان كل هذه الملفات مشبوهة ….
    رحمه الله وغفر له . …