(قَرْبان بيرمو) في تركيا والقربان بإيران والحَجَاج بالبحرين والكْبير في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وأيضاً بمصر والسودان وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين.

 كلها أسماء لمناسبة واحدة “عيد الأضحى”، حتى وإن كان اليوم ليس نفسه عند كافة المسلمين، وفي كل بلاد الإسلام.

ويزداد الأمر تَيهانٍ قل نظيره بالنسبة للأقليات المسلمة بالبلدان غير المسلمة.

 العاشر من ذي الحجة ليس هو نفس اليوم هنا وهناك، بل هو رهين برؤية الهلال ومكان ضبطه أو لحركية النجوم وعلم الفلك.

 وهذه حكاية أخرى يختلط فيها الديني بالعلمي، مع اقحام السياسي عنوة، وبذلك يخرج الأمر من إطاره الشعائري، إلى لعبة المصالح في العلاقات الدولية الثنائية منها والمتعددة الأطراف وتوازناتها في العالم الإسلامي.

لكن يبقى المسلمون بتشعباتهم وتعدد مللهم ونحلهم، من شيعة وفرقها، الإثناعشرية، الأصولية، الإخبارية، الشيخية، العلويون، الزيدية، الإسماعيلية، وايضاً السنةً ومذاهبها الأربع من مالكية وحنبلية وشافعية وحنفي.

 فالجميع يعتبر أن عيد الأضحى شعيرة دينية دأب عليها المؤمنون منذ حادثة سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل، وتتمة القصة معروفة، وأن الغاية من هذه الشعيرة هي التقرب إلى الله سبحانه وتعالى من خلال التضحية و الإيثار والعطاء والتقاسم، والمشاركة.

 وعندما سَنَها الرسول (ص) لم يفته أن الفقر والحاجة هي معطى ثابت في الحاضر والمستقبل عند البشرية.

  وهكذا كان سيدنا محمد صلى الله عليه يضحي بكبشين واحد عليه والثاني عن أمته إلى يوم الدين.

بهذه البساطة وهذا الوضوح التام، تم تأطير هذه الشعيرة الدينية كسنة محمدية، لها حكم السنة منذ اقرارها، وشيوعها بين خاصة الناس عامتهم.

وبالتالي كلما اقترب عيد الأضحى، إلا وتنشط هذه المناقشات بالمقاهي وبالإدارات والمقاولات وبالشارع، وحتى على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يسود تحليل ظاهره عقلاني ومؤسس على نقد لاذع للشوائب الاجتماعية المواكبة للعيد، كالاستدانة والمطالبة بتسبيق الأجر قبل نهاية الشهر او حتى بيع تجهيزات المنزل من أجل أضحية العيد.

إضافة إلى استهجان حجم الكبش وسلالته “الصردي” اوتمحضيت او البركي او أغنام أبي الجعد او بني كيل “الدغمة”، ليمتد النقاش إلى ظروف الذب-ح في الشقق.

 ويتفق المتحدثون أن السكن الحالي لم يعد يسمح مطلقا بهذه الشعيرة في غياب بدائل أخرى، تأخذ الجانب الصحي محمل الجد، عوض الاطمئنان لما هو موجود بمبرر (لي عطا الله هو هذا).

فما يجري داخل البيوت لم يعد مقبولا في بلد متحضر في القرن الواحد والعشرين .

لكن ما ذا جرى لنا كمغاربة بنخبنا وعامتنا، فكلما انتقلنا من هذه الدوائر الضيقة بالمكاتب والمقاهي والصالونات وعدنا الى المجتمع، إلا وتجد أمامك نفس الأشخاص ونفس النخب، لكن بسلوك آخر وممارسة اخرى.

سلوكيات تؤطرها العادات الاجتماعية الموروثة في الغالب عن مرحلة غير مشرقة في تاريخنا الاجتماعي. ولا تقارب هذا العيد كشعيرة دينية اولا واخيراً ولا غير .

ومما لا شك فيه أن هذا يجعلنا نعيش في مجتمع، الهوة الشاسعة فيه بين ما نروج له كأفراد وجماعات في جلسات خاصة وعامة من جهة، وما نمارسه في حياتنا المجتمعية اليومية من جهة أخرى ليس فقط في هذه الشعيرة الدينية بل في كل القضايا.

ولعل هذه الازدواجية في الشخصية يطلق عليها علماء النفس بالنسبة للأفراد schizophrénie ، لكن عندما يصبح هذا المرض سلوكا مجتمعيا فيكون الوضع يحتاج لأكثر من تحليل وأكثر من هذا المقال بكثير .

كنا سبعة أشخاص في نقاش هادئ عن الجماعات المحلية وعمل البلديات ومجالس الجهات وكان كل واحد يدلو بدلوه، مع العلم أننا كلنا أطر نمارس اما بالإدارة العمومية أو المهن الحرة. وعندما احتد الانتقاد وتم صب الغضب على المسؤولين، تسائل أحدنا بمكر. من منكم صوت في الانتخابات الأخيرة ؟ فكانت المفاجأة خمس غير مسجلين وواحد صوت والآخر لا).

يعلم المختصون أنه كلما اتسعت الهوة بين الخطاب والممارسة في حياة مجتمع، إلا ويتعطل قطار التنمية مع ما يواكب ذلك من ظواهر مجتمعية تؤثر سلبا على قيمه .

لكن يبدو أن هذا الأمر بالنسبة (للعيد الكبير) فهو يريح العديد من القوى الظاهر منها والخفي، والتي تجد مصلحة ومنفعة في هذا الارتباك والغموض.

فقد يتفهم البعض -إلا أن يثبت العكس -أن المصلحة الاقتصادية تقتضي صب 14 مليار درهم في البادية المغربية بهذه المناسبة السنوية، وهذا أمر ضروري للحد من الهجرة الداخلية .

لكن ما لا يمكن تفهمه هو سكوت قادة الرأي من مثقفين ومن جمعيات مدنية ودعاة في المساجد والإعلام العمومي والخاص، على معالجة الموضوع بجدية، تستفز العامة والخاصة معا، مع قول الحقائق بوضوح، عوض الاكتفاء بكلام عام، والحديث فقط أن العيد شُرِع لمن استطاع إليه سبيلا.

بل لا بد من تدقيق الأمور ورفع الحرج علنا على الناس. والجهر فوق رؤوس الجمي،  أن العاطل لا أضحية له والأجير البسيط لا كبش له والموظف المستدين لا (حولي )عليه والمياوم لا جَدْي في عنقه والأرملة واليتيم والمحتاج قد ضحى عليهم رسول الله(ص).

وأن الذب-ح بالشقق ومن طرف أي كان فيه مخاطر صحية آنية ومؤجلة على الفرد والجماعة.

أعتقد أنه لا يمكن الاستمرار بالاختفاء وراء المجتمع أو (الجمهور عايز كذا) فالمجتمع هو أنت وأنا والآخر.

فلا تتركوا الفرصة لمن لهم مصلحة فضلى في خلط الأوراق، وتشجيع انتشار ممارسات اجتماعية اختلطت بالعادات والتقاليد والخرافة، ولا علاقة لها لا بصفاء العقيدة ولا يسر الدين.

وعيدكم مبارك سعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *