المثير أن هذه القوى التي  تدخل في خانة الشركاء الاستراتيجيين  للجزائر، أصبحت  تتوجه بشكل متنامي نحو المغرب للاستثمار فيه في العديد من القطاعات، مديرة ظهرها للجزائر.

  *جمال الدين المغربي

تكريسا لسياسة تنويع شركاءه على أساس واضح وشفاف ومبدأ رابح/رابح، أصبح المغرب اليوم اكثر من وقت مضى، يثير إهتمام  قوى دولية لم تكن، حتى وقت قريب، تدور في فلك شركائه التقليديين، والتي تسعى إلى نسج شراكات واتفاقيات اقتصادية وتجارية مع المملكة، في ظل ما تنعم به من استقرار وأمن وما تحظى به من الثقة والمصداقية. ومن أبرز هذه القوى روسيا والصين.

والمثير أن هذه القوى التي  تدخل في خانة الشركاء الاستراتيجيين  للجزائر، أصبحت  تتوجه بشكل متنامي نحو المغرب للاستثمار فيه في العديد من القطاعات، مديرة ظهرها للجزائر، وذلك بسبب البيأة الملائمة للاستثمار في المغرب واستقرار ومصداقية نظامه السياسي.  

وفي هذا الصدد، جددت روسياً العظمى إرادتها في تطوير الاستثمارات والمبادلات التجارية مع المغرب في مختلف القطاعات ، وسبق أن وجهت الحكومة الروسية الدعوة إلى رواد ورجال الأعمال، وأصحاب المقاولات المتوسطة والصغرى في منطقتي أنجارا وإيركوتسك للاهتمام بالاستثمار في المغرب.

وتحولت المملكة المغربية في السنوات الأخيرة إلى قبلة للمستثمرين  الأجانب، من غير شركاء المغرب التقليديين، الذين  يفضلون  الاستثمار في المغرب بدل بلدان مجاورة لأسباب تتعلق بالمناخ السياسي والاقتصادي الملائمين، وكذا مناخ الاستثمار المحفز.  

 وتقوم الحكومة الروسية، منذ فترة،  بمساعي لإيجاد موطئ قدم لها في المغرب في قطاعات تجارية وسياحية وفي مجال الطاقة النووية السلمية، ساعدها في ذلك سعي المغرب إلى  تنويع شركائه وانفتاحه على شركاء جدد.

وكان تقرير  نشر السنة الماضية في الموقع الإلكتروني “روسيا بريفينغ” أشار إلى أن “العلاقات الموسعة لروسيا مع المغرب، ستكون أداة إضافية لمساعدة الكرملين في إعادة تشكيل ميزان القوى المتغير في منطقة الساحل الإفريقي حيث يتراجع النفوذ الفرنسي ويظهر فراغ في السلطة”. ورغم أن التقرير أشار إلى  أن “المغرب ليس أكبر شريك تجاري أو استثماري لروسيا، إلا أنه شدد على أن أهمية المغرب الجيو-سياسية تتزايد وتقع على بعض أكبر ودائع المواد الخام في العالم: الفوسفاط والأورانيوم”.

وذكر التقرير أن “المغرب يحتل المرتبة الثالثة كأكبر شريك تجاري لروسيا بين دول القارة الإفريقية بعد مصر والجزائر؛ بحيث بلغت صادرات روسيا إلى المغرب في سنة 2021 زهاء 1.6 مليار دولار أمريكي، أي بزيادة قدرها 58.50 في المائة مقارنة بسنة 2020، أو 9.3 في المائة من إجمالي التجارة التي أجرتها روسيا مع القارة الإفريقية”.

وتعتبر تجارة روسيا مع المغرب، حسب التقرير “مهمة”  لأنها “تشكل جزءا كبيرا من التجارة الإجمالية للبلاد مع القارة الإفريقية. ففي سنة 2022، وصلت التجارة بين البلدين إلى 6.7 مليارات دولار أمريكي في القطاع الزراعي وحده”، موضحا أن “المستوردين الروس يهتمون باستيراد العنب والحمضيات والمكسرات وحبوب الكاكاو من المغرب ودول شمال وشرق إفريقيا الأخرى”.

 وتهتم روسيا  بالتوقيع على اتفاقية مع المغرب في مجال الصيد البجري، وهو ما تم التأكيد عليه خلال انعقاد  الدورة الرابعة للجنة الروسية المغربية المشتركة للصيد البحري بالرباط.

وبهذه المناسبة، أجرى  وفد روسي برئاسة إيليا شيستاكوف، رئيس الهيئة الروسية لصيد الأسماك “روس ريبولوفستفو”، مباحثات مع زكية الدريوش، الكاتبة العامة لقطاع الصيد البحري بوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.

وناقش الطرفان، حسب ما أفاد به بيان لوزارة الصيد البحري في روسيا،  نتائج التعاون في مجال المصايد وخطط تعزيز علاقات المنفعة المتبادلة بين البلدين، كما تباحثا بشأن تطوير خطط التعاون ونتائج العمل المشترك السابق بينهما، فيما أكد إيليا شيستاكوف أن “التعاون بين موسكو والرباط في مجال الصيد البحري هو تعاون استراتيجي وطويل الأمد، إذ يصادف هذا العام مرور 46 سنة على إبرام أول اتفاقية بين حكومتي البلدين بشأن الأسماك سنة 1978”.

لقد  سلطت ورقة بحثية حديثة الضوء على العلاقات المغربية الروسية وآفاقها المستقبلية، مؤكدة أن الرباط بفضل تاريخها العريق، وسياستها الخارجية المتوازنة، وقدرتها المستندة على “رؤية معرفية” لمواكبة الأحداث والاستجابة للتغيرات المتسارعة مع الحرص على تنفيذ أهدافها الاستراتيجية، نجحت في الموازنة بين مصالحها الاقتصادية والسياسية مع روسيا من جهة، وارتباطاتها التاريخية مع واشنطن والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.

ولفتت الورقة البحثية، إلى أن العلاقات المغربية الروسية كانت، ولا تزال، تحكمها الظروف السياسية والاقتصادية، التي يمكن القول إنها علاقات جيدة على طول الخط، رغم بعض التعثرات البسيطة التي كانت تتلاشى مع مرور الزمن.

وبخصوص دوافع التوجه الروسي نحو المغرب، خاصة في السنوات الأخيرة، أشار المصدر عينه إلى أن موسكو أدركت أهمية المغرب في الخريطة الإقليمية لما يتمتع به من ثقل سياسي في شمال إفريقيا، وهو ما دفعها إلى تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية معه وإيجاد مصالح مشتركة لكليهما، مؤكدا أن “المغرب يمثل شريكا استراتيجيا بالنسبة لروسيا، التي تسعى إلى تنمية علاقاتها معه بهدف استعادة مكانتها وقوتها في المنطقة، حيث شهد الحضور الروسي في إفريقيا تراجعا كبيرا بعد الحرب الباردة”.

 في السياق ذاته،  بدأـ اهتمام المغرب بشريك آخر يتوفر على ثقل  اقتصادي وتجاري دولي، وهي الصين،  حيث أصبح المغرب يلجأ باستمرار إلى استقطاب الاستثمارات الصينية. وآخر تجسيد لهذا التوجه يكمن في  توقيع المغرب والمجموعة الصينية الأوروبية “غوشن هاي تيك” على  اتفاقية لإنشاء مصنع لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بميزانية تبلغ 1.28 مليار دولار.

 وتهدف الاتفاقية إلى خلق 17 ألف منصب عمل مباشر وغير مباشر، من ضمنها 2300 منصب شغل عالي الكفاءة.

وترأس رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، الخميس الماضي بالرباط، مراسم التوقيع على الاتفاقية الاستثمارية، مع “لي جن” المدير العام للمجموعة الصينية-الأوروبية “غوشن هاي تيك”، ووزراء مغاربة آخرين.

ووبموجب الاتفاقية، سيتم “إحداث وحدة صناعية ضخمة مع منظومة متكاملة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في مدينة القنيطرة (غرب)، لتكون هذه الوحدة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما سيعزز ريادة المغرب في صناعة السيارات والانتقال الطاقي”.

لقد شهدت المبادلات التجارية بين المغرب والصين نموا ملفتا في السنوات  الأخير، إذ ارتفعت بأزيد من 50 بالمائة سنة 2022 ـ  وأضحت الصين الشريك التجاري الثالث للمغرب وحليفه الاقتصادي الأول في آسيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *