إدريس الكنبوري:كاتب صحفي ومفكر مغربي
ستدخل قضية علي بوطوالة، الكاتب العام لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي، الذي أدى مناسك الحج وعاد ليجد رفاقه في الحزب في انتظاره لإخراجه من الملة، حوليات تاريخ اليسار في المغرب من أوسع الأبواب. فقد تمت مطالبة بوطوالة بالاستقالة لأنه خرق واحدا من مبادئ الحزب الضمنية، وهي أن يكون ملحدا!
بهذا السلوك سقطت كذبتان كبيرتان: حرية التدين وعدم وجود مشكلة لليسار مع الدين. وتَبين الآن أن حرية التدين غير موجودة وأن مشكلة اليسار المغربي مع الدين معقّدة.
لكن هذا جزء من اليسار المغربي، وليس كل اليسار. فالقسم الأكبر من اليسار في المغرب كان إلى جانب حرية التدين ومر في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رجال متدينون وكانت لهم مواقف صريحة في معارك وطنية، أذكر منهم المرحوم محمد الحبيب الفرقاني ومحمد الحبابي، وطبعا المفكر الراحل محمد عابد الجابري.
في كل الأحوال كان اليسار التقليدي يفرّق ما بين الموقف السياسي والإيديولوجي من الدين وبين التدين، أي أنه كان يطبّق مقولة أن الدين مسألة شخصية ويمارسها بكثير من التسامح.
أما الموقف الجديد الغريب الذي عبّر عنه بعض أعضاء حزب الطليعة فهو أكثر المواقف راديكالية ويصادر حق الأفراد في ممارسة قناعاتهم الدينية بحرية. وما أستنتجه من هذه الواقعة هو أن مقولة حرية الاعتقاد -كما يتم تداولها لدى البعض- غالبا ما تكون صالحة عندما يتعلق الأمر بشخص يطعن في الإسلام أو ينتقل منه إلى دين آخر، أمّا عندما يكون العكس فإن مقولة حرية الاعتقاد تصبح عربة بلا عجلات.. بمعنى هناك اعقتادات تصلح معها المقولة، وهناك اعتقادات لا تصلح معها، بينما الأصل أن حرية الاعتقاد تشمل أي معتقد كان.
والغريب أن هذا الموقف الشاذ يأتي في زمن انتهى فيه اليسار وأصبح مثل السيارة التي انقلبت في الطريق ولم يعد شيء يشتغل فيها سوى الرّاديو، بحسب وصف جميل للماركسي السوري الراحل ياسين الحافظ وهو يتحدث، في كتابه “الهزيمة والإيديولوجية المهزومة”، عن الوضع العربي في ستينيات القرن الماضي. وفي الحقيقة، فإن اليسار الراديكالي بمثل هذا الموقف يصطفّ مع الإمبريالية الأمريكية.