جدد المغرب وإيطاليا، الحليفان الإقليميان والصديقان التاريخيان، اللذان سيحتفلان بقرنين من العلاقات الدبلوماسية في العام 2025، التأكيد هذه السنة على رغبتهما في تعزيز التعاون الملموس ذي المنفعة المتبادلة، والقائم على أساس الحوار المنتظم والاحترام المتبادل.
وكان تعزيز هذا التعاون محور زيارة العمل التي قام بها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في يوليوز الماضي إلى روما، بدعوة من نظيره الإيطالي.
وأوضح السيد بوريطة، بهذه المناسبة، أن “هذه الزيارة إلى إيطاليا تأتي في إطار توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس الهادفة إلى تنويع وتعزيز الشراكات داخل أوروبا والاتحاد الأوروبي وتوطيد العلاقات مع القوى الأوروبية ذات المصداقية”، مشددا على أن العلاقات بين المغرب وإيطاليا هي “تقليديا قوية” وتقوم على تعاون “مثمر” في جميع المجالات.
وتميز لقاء الوزيرين، الأول منذ تعيين السيد أنطونيو تاجاني، في أكتوبر 2022، نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية والتعاون الدولي للجمهورية الإيطالية، بالتوقيع على خطة عمل لتنفيذ الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد، الموقعة بالرباط في العام 2019.
ويحدد هذا الإطار أربع أولويات للعلاقات المغربية- الإيطالية للسنوات المقبلة، وهي تعزيز الحوار السياسي حول القضايا الإقليمية في إفريقيا والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، وترسيخ التعاون الاقتصادي والثقافي، وتعزيز التنسيق الأمني، وإنشاء آلية استشارية حول الهجرة والشؤون القنصلية.
ومن القضايا الوطنية إلى الرهانات الإقليمية، تولي الأجندة المغربية-الإيطالية اهتماما خاصا لاستقرار وتنمية الجوار المتوسطي والإفريقي، مما يشهد على الالتزام المشترك والعمل النشط من أجل مستقبل جماعي أفضل.
وأكد السيد تاجاني، في هذا الصدد، أن ”المغرب وإيطاليا عازمان على العمل المنسق من أجل فضاء متوسطي أكثر استقرارا”.
من جهة أخرى، ترغب إيطاليا في العمل بإفريقيا مع المغرب الذي تعتبره فاعلا رئيسيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بفضل استقراره والمبادرات التي يقوم بها، بناء على توجيهات جلالة الملك، في مختلف المجالات.
وقال السيد بوريطة: “نعمل اليوم على إنشاء مجلس لرجال الأعمال قصد وضع رؤية مشتركة بين المغرب وإيطاليا للعمل معا في إفريقيا وتوحيد جهودهما في هذا الاتجاه”.
من جانبه، أكد رئيس مجلس النواب الإيطالي، السيد لورنزو فونتانا، الذي تباحث كذلك مع السيد بوريطة، أن “المغرب مخاطب متميز من أجل استقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط”، وهو التصريح الذي تم تأكيده في البيان الذي نشرته وزارة الشؤون الخارجية الإيطالية عقب الزيارة.
وأكدت الخارجية الإيطالية أن “المغرب شريك استراتيجي لإيطاليا بالنسبة لأمن البحر الأبيض المتوسط، ومن الضروري العمل معه من أجل استقرار وازدهار المنطقة”، مشيرة إلى أن “المملكة بلد أساسي في الجوار الجنوبي، يمكن أن يعتمد دائما على إيطاليا كدولة صديقة داخل الاتحاد الأوروبي”.
بدوره، أشار رئيس لجنة “سياسة الاتحاد الأوروبي” في مجلس الشيوخ الإيطالي ووزير الخارجية السابق، جوليو تيرتسي دي سانتا أغاتا، أنه “بالإضافة إلى البحر المتوسط، يتقاسم البلدان اهتمامات أمنية، لاسيما بخصوص انتشار الجماعات والكيانات في إفريقيا، مما يهدد الاستقرار والأمن في القارة”، مشيدا برؤية جلالة الملك في مكافحة التطرف والإرهاب.
من جهة أخرى، تعد روما من بين الشركاء التجاريين العشرة الأوائل للرباط مع تواجد 200 شركة إيطالية بالمملكة في العديد من القطاعات.
وبحسب بوابة الحكومة الإيطالية المخصصة للأسواق الخارجية (infomercatiesteri.it)، فإن “المملكة هي دولة استراتيجية بالنسبة لإيطاليا في منطقة البحر الأبيض المتوسط بفضل استقرارها السياسي والتوقعات الإيجابية لنموها الاقتصادي، وهي عناصر تميز المملكة في المنطقة”.
وفي قسم يحمل عنوان “لماذا المغرب ؟”، يشير الموقع الحكومي إلى “سوق متنامي”، و”استقرار سياسي اقتصادي واجتماعي”، و”التزام قوي في مجال الاقتصاد الكلي”، و”الانفتاح على التجارة العالمية”، و”بنية تحتية متوافقة مع المعايير الدولية” و”فرص استثمارية كبرى”.
وعلى مستوى الطاقة، “تعد الرباط أيضا شريكا مهما لروما في مجال التنمية المستدامة”، بحسب المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية.
ووفقا للمعهد، “طور المغرب في السنوات الأخيرة واحدة من أكثر استراتيجيات التحول الطاقي طموحا في القارة الإفريقية”، مبرزا أن المملكة “أضحت إحدى أهم الوجهات للبحث واستدامة عمليات الطاقة، وذلك بفضل تطور قطاع الهيدروجين الأخضر”.
وعلاوة على القضايا السياسية والاقتصادية، تظل الثقافة نقطة التقاء قوية بين البلدين. فسواء في الأدب، الفن التشكيلي، الصناعة التقليدية أو السينما، كانت المملكة حاضرة بقوة هذا العام في عدة فعاليات بإيطاليا، مع تتويجها بعدد مهم من الجوائز.
هكذا، تستمر الروابط الثقافية القوية بين البلدين في النمو، وذلك بفضل اندماج الجاليتين بشكل مثالي في النسيج الاجتماعي والجمعوي للبلدين، مما يتيح بناء جسر من التعايش والتسامح بين ضفتي المتوسط.