يقول الأستاذ فتاح، الذي رفض مدير الأكاديمية استقباله، ولم يرد على طلبه الكتابي المتعلق بدعمه من أجل السفر إلى الهند لحضور هذه المنافسة التربوية الدولية، إن المسؤولين على المنظومة التربوية بالمغرب يصنعون ظروف فشلنا ثم يروجون الوهم على أننا نحن أساتذة المغرب هم الفاشلون.

*سعيدة شريف

في الوقت الذي تتكاثر فيه العديد من المعاول لهدم بناء المدرسة العمومية المغربية على حساب المدرسة الخصوصية التي يستفيد منها مقاولون لا يهتمون بالمنظومة التعليمية بقدر ما يهتمون بالجانب الربحي الذي يعود عليهم في الاستثمار فيها، يأتي النجاح الذي يحققه تلامذة التعليم العمومي في امتحانات البكالوريا بأعلى النقط وفي مناطق نائية من المغرب، وكذا تتويج أساتذة التعليم العمومي بأرفع الجوائز خارج المغرب، ليفند كل هذه المزاعم، ويثبت أن المدرسة العمومية بألف خير وما ينقصها هو الاهتمام بطاقم التدريس فيها وتحسين وضعيتهم.

وخير دليل على كل هذا هو حصول أستاذة الفلسفة المغربية فاطمة الزهراء المهدون بمدينة العرائش حديثا على جائزة أفضل مدرس في العالم لعام 2023 بنيودلهي هي وزميلها محمد فتاح أستاذ اللغة الإنجليزية بمدينة مكناس، خلال مسابقة المنظمة العالمية “AKS Education Award” الرائدة في مجال التعليم بدولة الهند، وذلك بمشروعين متميزين خول لهما هذا النجاح والتميز في نيودلهي، حيث توجت المهدون بالجائزة عن مشروعها المتعلق بتوظيف الذكاء الاصطناعي في تدريس مادة الفلسفة، فيما كان مشروع الأستاذ محمد فتاح يتعلق بربط الفصول عبر العالم وخلق جسور تعليمية لتبادل الثقافات.

تتويج في غياب أي دعم

وفي السنوات الماضية أيضا كانت هناك تتويجات واعترافات بكفاءة الأساتذة والتربويين المغاربة، الذين يصرفون من أموالهم الخاصة على مشاريعهم الطموحة وعلى تنقلاتهم في غياب أي دعم أو تشجيع من وزارة التربية والتعليم بالمغرب، بل ويقومون بتجهيز الفصول الدراسية بما تحتاجه من أدوات ووسائل تكنولوجية للقيام بمهمتهم التربوية على أكمل وجه، كما يقومون بنسخ ما يحتاجونه من أوراق الفروض وغيرها خارج المؤسسات التي لا تتوفر على آلات للنسخ في أغلبها، والتي حتى إن وجدت فهي معطلة ولا يتم إصلاحها، ليترك الأستاذ لمواجهة مصيره في هذه المهمة التربوية العمومية، التي من المفروض أن تحظى بالأولوية شأنها شأن الصحة والرياضة، التي يخصص لها المغرب اليوم ميزانية مهمة، فيما يظل قطاع التعليم فقيرا بالميزانية المرصودة لأسرة التعليم ولوسائلها اللوجيستيكية، هذا دون الحديث عن وضع الأساتذة غير المريح والذي لا يصون لهم الحد الأدنى من الكرامة، الشيء الذي دفع بهم إلى شن إضرابات متتالية منذ انطلاق الموسم الدراسي إلى الآن، في انتظار إيجاد حلول معقولة تنهض بالقطاع التعليمي وبأوضاعهم الاجتماعية والمادية.

وفي هذا الإطار يقول الأستاذ محمد فتاح في تصريح له le 12.ma إنه في الوقت الذي تتحمل فيه الدولة تكاليف تنقلات المنتخب الوطني لكرة القدم وغيرها من الأمور “يكون حظ هيئة التدريس صفر تعويض بداعي نقص في الميزانية المخصصة للتعليم. صفر درهم كدعم لتخفيف نفقة التنقل إلى الهند لرفع راية المغرب كأساتذة فائزون بلقب دولي بحجة غياب الإمكانيات المادية. هذا ناهيك عن ظروف العمل البئيسة ونقص المعدات لنسخ أوراق الفروض المحروسة، وغياب الوسائل التكنولوجية بقاعة الدرس وغيرها من الأمور”.

وضع التعليم المزري حافز للاجتهاد

وبدورها تؤكد الأستاذة فاطمة الزهراء المهدون أن هذا التتويج هو فخر واعتزاز لها ولزميلها، وإثبات حقيقي لكفاءة الأطر الموجودة بالمدرسة العمومية، التي تعتز بكونها ثمرتها وممارسة بها، مشيرة إلى أن “ما يقال عن المدرسة العمومية غير صحيح بالمطلق، أي نعم تعاني من إشكالات بنيوية ومن اختلالات، ولكن هذا لا يعطينا الحق بالقول إنها مشتل الفاشلين، إذ كانت ولا زالت معطاءة ولادة بأطرها وتلامذتها، والذين أثبتوا مئات المرات أنهم يمتلكون من الكفاءة ما يكفي للظفر بمختلف الجوائز الدولية والوطنية.

وتضيف في تصريح ل le 12.ma أن “الوضع بقطاع التعليم بالمغرب مزري لا سيما بعد إشكالية نظام التعاقد، وما خلفته الاحتجاجات المشروعة لنساء ورجال التعليم ضدا على النظام الأساسي الجديد، ولكن هذا الواقع المرير لا يجب أن يثنينا عن البحث والاجتهاد وتطوير ممارساتنا الفصلية، بل ينبغي أن يكون حافزا للعطاء والاجتهاد، وهو ما يتطلب تضحيات جسام ذاتية شخصية لتطوير الذات، وعلاقة بهذا النجاح في جائزة global Teacher Award 2023 فأكيد أنه ليس وليد لحظة أو لحظات بقدر ما هو مجهود سنوات من الاجتهاد والتكوين الذاتي وصقل المهارات البيداغوجية والتقنية الرقمية”.

الفلسفة والذكاء الاصطناعي

وحول المشروع الذي توجت به كأفضل مدرسة في العالم والمتعلق بتبسيط تدريس مادة الفلسفة من خلال توظيف التطبيقات والوسائل الرقمية، توضح الأستاذة المهدون أن هذه المادة عانت لسنوات في المغرب من الإقصاء الممنهج، ومازالت تعاني لأنه رغم أنها تدرس في الثانوي التأهيلي لجميع الشعب، إلا أن معاملها الضعيف بالنسبة للشعب العلمية يجعلها مادة ثانوية جدا وغير مهمة للتلميذ، على الرغم من أهميتها في تكوين شخصية التلميذ كإنسان ومواطن الغد.

وتقول “كان همي الوحيد وشغلي الشاغل هو جعل التلميذ شغوفا بالمادة، شغوفا بالنقد والتساؤل، وهدفي هو بناء إنسان يفكر بشكل نقدي منطقي عقلاني. مشروعي في الأساس كان عبارة عن مشروعين في تدريس مادة الفلسفة، الأول عبارة عن كتاب رقمي خاص بمنهجية الكتابة الفلسفية، لا سيما وأنها مادة إشهادية يمتحن فيها التلميذ، حيث ضمنت في هذا الكتاب تطبيقات رقمية وخرائط ذهنية. والمشروع الثاني كان عبارة عن تجميع تمارين تقويمية تلعيبية تتناول مقرر الثانية بكالوريا، لأنه من المهم جدا توظيف بيداغوجيا اللعب في الفصل الدراسي بغض النظر عن المرحلة العمرية التي ندرسها، فقط يجب أن يكون التوظيف بيداغوجيا وتربويا”.

وتوضح الأستاذة أن الارتقاء بالمنظومة التربوية يتطلب الاهتمام بالفاعل التربوي الحقيقي في المنظومة “الأستاذ(ة)” إذ لا يمكن البتة تطويرها وتجاوز كل الاختلالات التي تنخرها دون ذلك، ناهيك عن ضرورة تجهيز البنية التحتية توفير الوسائل والأدوات الضرورية، بغية خلق بيئة ملائمة محفزة للاشتغال، بالموازاة مع تكثيف التكوينات في المجالين التربوي البيداغوجي والرقمي مواكبة لعصر الرقمنة.

ربط رقمي بين الفصول الدراسية

أما محمد فتاح أستاذ مادة اللغة الإنجليزية بالثانوية التأهيلية مولاي إسماعيل بمكناس الذي اشتغل كمنسق دولي في عدد من البرامج التعليمية، المتوج بفضل مشروعه المتعلق بربط المؤسسات التعليمية من أجل التعاون والقيم الدولية، فيقول إن مشروعه يهدف بالأساس إلى رقمنة أداء المتعلمين داخل الفصل الدراسي عبر خلق وضعيات تعليمية رقمية، وكذلك ربط رقمي بين الفصول الدراسية سواء مع مدارس من داخل أو خارج المغرب.

ويضيف بأن “في كل درس ينجز داخل الفصل الدراسي توجد مرحلة تقييم أداء المتعلمين ليتحقق الأستاذ من مدى استيعاب التلاميذ للكفايات المستهدفة أثناء إنجاز الدرس. وبالتالي فالمشروع التربوي الذي تقدمت به يعنى بكيفية رقمنة هذه المرحلة من الدرس عبر برنامج الربط بين الفصول الدراسية. وهناك سجل لدروس تطبيقية في هذا الشأن”.

ويرى الأستاذ فتاح في هذا التتويج اعترافا دوليا بكفاءة رجال ونساء التعليم في المدرسة العمومية بالمغرب، ودليلا قاطعا على أن رجال ونساء التعليم قادرون على الإبداع والتميز وخوض غمار المنافسة على الصعيد الدولي مع ممثلين لمدارس تعليمية تابعة لدول تعتبر نفسها رائدة في مجال التربية والتعليم.

وبناء عليه، فإن غياب هذا الإشعاع والتميز لرجال ونساء التعليم في وطنهم، كما يوضح، لا يعود لأسباب ذاتية وإنما لأسباب واقعية مفروضة عليهم في المدرسة العمومية، فغياب مبدأ الاستحقاق حسب الكفاءة واعتماد الترقية بناء على العلاقات وغياب الظروف الملائمة للعمل وقلة الوسائل التكنلوجية لتجويد أداء المعلم والمتعلم، كلها عوامل تقف حاجزا أمام بلوغ هذا الإشعاع والمستوى من النقاش والتتويج للمشاريع التربوية الرائدة في مجال التربية والتعليم.

توج بما عوقب عليه في بلده

وانطلاقا من تجربته الشخصية والمهنية يقول الأستاذ فتاح، الذي رفض مدير الأكاديمية استقباله، ولم يرد على طلبه الكتابي المتعلق بدعمه من أجل السفر إلى الهند لحضور هذه المنافسة التربوية الدولية، إن المسؤولين على المنظومة التربوية بالمغرب يصنعون ظروف فشلنا ثم يروجون الوهم على أننا نحن هم الفاشلون. والدليل هو “ماذا كان سيحصل لو لم أتقدم لطلب قرض بنكي لتغطية مصاريف التنقل؟ طبعا كنت سأظل فاشلا كما أرادوا أن يكون عليه وضع هيئة التدريس في المدرسة العمومية”.

ويكشف الأستاذ أن الاستمرار في التميز والإبداع لهيئة التدريس رغم كل الصعاب والعراقيل في المدرسة العمومية، هو نتاج لوجود تقارب قوي بين هيئة التدريس في المدرسة العمومية والتلاميذ، وبالنسبة إليه فهذا التتويج جاء “بعد مسار طويل من الكد والجهد وبحث عن التميز في وسط تعليمي محكوم عليه بالفشل، لأن القاعدة أصبحت هي أن تلبس جلباب هذا الفشل وتتحول إلى أستاذ نمطي من ذوي الأساليب والتطبيقات القديمة التي لا يستهلك فيها الأستاذ أقلام الكتابة فيطلب المزيد ويقلق أصحاب الصفقات ولا يسأل بفضلها عن الوسائل التكنلوجية المتوفرة فيحرج الإدارة، ولا يكلف التلاميذ عناء تطوير النقد الفكري ويرفع من صعوبة الفروض المحروسة بضع درجات فيغضب أصحاب التباهي بمدرسة النجاح وغيرها. وبالتالي، فإن الخروج عن هذه القاعدة بحثا عن الابداع والتميز غالبا ما تكون له ضريبة”.

ويوضح هذا الأستاذ الذي سبق وحصل على تكوين في برنامج الربط بين الفصول الدراسية والذي يندرج ضمن جائزة المدرسة الدولية 2020-2023، وهو برنامج دولي يقام بإشراف المركز الثقافي البريطاني وبشراكة مع مديرية المناهج في وزارة التعليم بالمغرب، أنه بعد النجاح الذي حققه في هذا البرنامج على مدى ثلاث سنوات، تعرض لمضايقات بعد تغير المشرفين على المؤسسة التي يعمل بها، حيث انقلبت الآية وأصبح هذا  البرنامج غير قانوني والشراكات المقامة غير قانونية، ما جعله يتعرض لوابل من الاستفسارات اختتمت بتقديمه إلى المجلس التأديبي بتهم واهية وبملف تأديبي معظمه يحوم حول الاشتغال في برنامج غير قانوني، فتم توقيفه لمدة خمسة عشر يوما ظلما وعدوانا لا لشيء سوى لأنه اعتمد طرقا وأساليب جديدة في تدريس المقرر الدراسي باستخدام المسرح والغناء والألعاب، وخلق تفاعل رقمي مباشر بين التلاميذ الذين يدرسهم مع تلاميذ من مدارس من مختلف أنحاء العالم.

ويخلص الأستاذ “ما عوقبت عليه في وطني بمجلس تأديبي وتشويه للسمعة والمضايقة في مكان العمل وغيرها، هو ما توجت به في الهند وحظيت بسببه باحترام وتقدير ودعم غير محدود من مدير المنظمة بنفسه. في الهند قاموا بتتويجي بناء على دراسة المشروع التربوي وسجل الأعمال المقامة في شأنه، بينما في المغرب عوقبت لأن اسمي لم يكن ضمن لائحة المسموح لهم بالتتويج”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *