أكد أحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الجهوية المتقدمة التي اعتمدتها المملكة، واجهت العديد من الاختلالات منذ اعتمادها.
ووقف الشامي، في لقاء خصص لتقديم أبرز مخرجات رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “من أجل تنمية دامجة ومنسجمة للمجالات الترابية: مداخل التغيير الأساسية”، اليوم الثلاثاء بالدار البيضاء، على اختلالات تنزيل الجهوية المتقدمة.
وأكد أن “أكثر الجهات مساهمة في الثروة الوطنية هي في الوقت نفسه الجهات التي تظم أكبر معدلات للبطالة”، مرجحا الوضع إلى “عدد من أوجه القصور والاختلالات التي لا تزال تعيقُ التنمية الترابية في بلادنا.
ويرى الشامي أن هذه الاختلالات تتجلى في “توطينٌ ترابي غير مكتمل للفعل العمومي، لا سيما بالنظر إلى تداخل الاختصاصات الموكولة للجماعات الترابية بمختلف مستوياتها (الجهة، العمالة/الإقليم، الجماعة) من ناحية، وبسبب محدودية قدراتها التنفيذية من ناحية أخرى”.
وكذا “تعددٌ غيرُ ناجع للمتدخلين في المنظومة الترابية وضعف الالتقائية بين أنشطتهم ومبادراتهم، مما يَحد بشكل كبير من فعالية الاستثمار العمومي“، و”النقص الكبير في الموارد البشرية المؤهلة على المستوى الترابي، مما يحد من مشاركة الجماعات الترابية بشكل فعلي ومؤثر في دينامية التنمية”.
وذكر أن من بين هذه الاختلالات، “البطء المسجَّل في التنزيل الفعلي لميثاق اللاتمركز الإداري، وهو الأمر الذي لا يُمَكِّنُ الفاعلين الترابيين من الموارد البشرية والتقنية والمالية اللازمة للاضطلاع بشكل فعال وناجع باختصاصاتهم”، و”ضعف مشاركة القطاع الخاص والقطاع الثالث في مسلسل بلورة الرؤية الاستراتيجية للجهة في ميدان الاستثمار”، و”بطء في تنزيل ورش التحول الرقمي للإدارة، مَعَ مَا لذلك من انعكاسٍ سلبي على الخدمات العمومية المقدَّمة للمرتفقين على المستوى المحلي”.
ولمواجهة هذه الأوضاع، أوصى المجلس بإجراء تقييم مرحلي لورش الجهوية المتقدمة بإشراك الفاعلين الرئيسيين والأطراف المعنية، وإطلاقِ نقاشٍ بين هذه الأطراف في ضوء نتائج التقييم، من شأنه أن يمكن الفاعلين من تملك رؤيةٍ مشتركة مُحَيَّنة ومُتَّفَقٍ حَوْلَها بشأنِ المراحل والخطوات المقبلة في تنزيل هذا الورش، سواء على مستوى المقاربة أو التنفيذ، وذلك في أفق إعادة التفكير بشكل عميق في مهام الدولة على المستوى الترابي، بما يُمَكِّنُ من ضمان تنزيل فعال وناجع لتدخلاتها، ارتكازا على تمفصل متجانس وفعال وناجع بين آليات اللامركزية واللاتمركز في العمق الترابي.
وفي انتظار إجراء هذا المسلسل، اقترح المجلس عددا من التوصيات يُمْكنُ تفعيلُها على المدى القصير، ضمنها مراجعةُ القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية من أجل المزيد من توضيح اختصاصاتها وتدقيق نطاق تدخل كل مستوى من المستويات الترابية (الجهة، العمالة/الإقليم، الجماعة، والعملُ، في انتظار تعديل القوانين التنظيمية، على نقل الاختصاصات الذاتية من القطاعات الحكومية المعنية بممارسة هذه الاختصاصات نحو الجهات وربط هذا النقل بالموارد الضرورية مع وضع برنامج زمني مُحَدَّدٍ بدقة، وقابل للتنفيذ ومُلزِمٍ، لنقل الاختصاصات وسلطة اتخاذ القرار من الإدارات المركزية إلى المصالح اللاممركزة للدولة.
علاوة على ذلك، أوصى المجلس بتثمين الوظيفة العمومية الترابية من أجل استقطاب الكفاءات اللازمة القادرة على تنزيل وتتبع ورش الجهوية المتقدمة، و تحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة للمرتفقين، من خلال تسريعِ مسلسل الرقمنة، لا سيما من خلال وضع نظام معلومات ترابي مندمج، يُمَكِّنُ من استعمال آلية التشغيل البيني بين الفاعلين في المنظومة الترابية.
وفي هذا السياق، كشف الشامي أن حوالي 83 % من المشاركين في استشارة أطلقها المجلس حول الموضوع أشاروا إلى ضعف جودة الخدمات العمومية، خاصة على مستوى “الإنصاف في التعامل مع مطالب المواطن”، و”آجال معالجة الملفات الإدارية” و”الاستقبال في شبابيك المرافق العمومية” و”تبسيط المساطر الإدارية” و”رقمنة الخدمات العمومية“.
من جهة أخرى، فإن حوالي 55 % من المشاركين يعتبرون الموارد البشرية على رأس العوامل التي تؤثر على جودة الخدمات العمومية المقدمة للمواطنات والمواطنين، في ما 90 % من الإجابات سَلَّطَتِ الضوءَ على إشكالية عدم توازن توزيع الاستثمار العمومي بين مختلف الجهات، وداخل كل جهة على حدة.
ولمواجهة هذه الإشكاليات، دعا 84 %من المشاركين إلى تعزيز الولوج المنصف لخدمات عمومية ذات جودة على مستوى المجالات الترابية، 75 % يُوصُونَ بوضع مساطر مُبَسَّطَة داخل الإدارات والمؤسسات والجماعات للترابية، في وقت 65 % أبرزوا أهميةَ إعادة النظر في تدبير الاستثمار العمومي على الصعيد الوطني والترابي من أجل تحسين فعاليته ونجاعته، والنهوض بمساهمة القطاع الخاص.