خاض فيلق الموت المغربي أشد المعارك صعوبة في الحرب الأهلية الإسبانية، ونجحوا أياما قليلة بعد التحاقهم بقوات فرانكو في إلحاق هزائم تلوى الأخرى بقوات المعارضة
ونادرا ما يجري الحديث عن مشاركة المغاربة في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) التي استعان فيها الجنرال فرانسيسكو فرانكو (1892- 1975) بفيلق مغربي أطلق عليه الإسبان “فيلق الموت المغربي”، لحسم الحرب لصالحه.
ويشير عدد من المصادر التاريخية إلى أن الفيلق المغربي أسهم بشكل كبير في انتصار فرانكو على معارضي الملكية في إسبانيا، بالنظر إلى صلابة عناصره واستماتتهم فكانوا الورقة الرابحة التي حسمت أحد أعنف الحروب في تاريخ إسبانيا الحديث.
سياقات تاريخية
كان الجنرال فرانكو من الضباط الإسبان الذين خبروا منطقة الريف المغربي خلال عشرينيات القرن الماضي، حيث كان مشرفا على الوحدات العسكرية التي حاربت قوات المقاوم المغربي عبد الكريم الخطابي.
وخلال تلك المرحلة، شارك فرانكو في حرب الريف (1920 -1927) وتكبد فيها مع قواته الكثير من الهزائم، خصوصا في معركة “أنوال” الشهيرة التي تكبد فيها الإسبان خسائر كبيرة بلغت 19 ألف قتيل و4300 جريح و570 أسيرا، مقابل 500 قتيل في صفوف قوات الخطابي.
ظلت تلك الحرب راسخة في ذاكرة الجنرال فرانكو، إذ كان فشل الإسبان في تلك الحرب وراء اعتمادهم لاحقا على أسلحة كيماوية لحسم الصراع لصالحهم.
وبعد عودته إلى إسبانيا، أسندت لفرانكو العديد من المسؤوليات العسكرية، قبل أن يختار في يوليو عام 1936 قيادة انقلاب عسكري للإطاحة بالجمهورية الإسبانية الثانية ما أدى إلى اندلاع حرب أهلية امتدت على مدار 3 سنوات.
المغاربة هم الحل
لم يكن الجنرال فرانكو يتوقع أن انقلابه سيؤدي إلى حرب أهلية ستكون من بين أكثر المراحل دموية في إسبانيا، كما لم يكن يتوقع أن يواجه مقاومة شرسة من الجمهوريين الرافضين للملكية وللحكم الدكتاتوري.
لذلك، فكر فرانكو في الاستعانة بمغاربة الريف لحسم المعركة لصالحه، فكلف مساعده خوان بيغبيدير بمهمة تجنيد الريفيين للقتال في صفوف قواته.
وإلى جانب بيغبيدير، استعان فرانكو أيضا بصديقه المغربي الجنرال أمزيان الذي سبق له أن قاتل في صفوف الجيش الإسباني في منطقة الريف وعمره لا يتجاوز 16 سنة.
وعن دوره قال الصحافي المغربي يونس جنوحي، “لا يمكن الحديث عن الحرب الأهلية الإسبانية دون الحديث عن الجنرال أمزيان، الذي حصد كل ألقاب الاستحقاق في الجيش الإسباني. ورغم أنه لم يكن الوحيد الذي كلفه فرانكو بالبحث عن مقاتلين مغاربة لتعزيز صفوف الفيلق المغربي الشهير، إلا أنه نال القسط الوافر من هجوم المعارضين لفرانكو“.
أما أسباب انضمام مغاربة الريف للحرب الأهلية الإسبانية، فتجمع المصادر التاريخية أنهم وافقوا على ذلك لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، إذ كان المغرب يمر حينها بفترة مجاعة فقبلوا المشاركة مقابل مبالغ مالية لإعالة أسرهم، كما استغلت إسبانيا جهلتهم وأقنعت الكثير منهم بأن الحرب هي ضد تيار “الملحدين” الذين يعادون الإسلام والمسيحية.
بلغ عدد المغاربة المنحدرين من شمال المغرب والذين التحقوا بقوات فرانكو أكثر من 150 ألف مقاتل، شكلوا ما بات يعرف في إسبانيا إلى اليوم، بـ”فيلق الموت المغربي“.
معارك دون استراحة
خاض الفيلق المغربي أشد المعارك صعوبة في الحرب الأهلية الإسبانية، ونجحوا أياما قليلة بعد التحاقهم بقوات فرانكو في إلحاق هزائم تلوى الأخرى بقوات المعارضة.
زرع الفيلق المغربي الرعب في صفوف الإسبان المعارضين للسياسة فرانكو، إذ كانوا “يتصدرون قمع المتمردين، كانوا يتصرفون بكل وحشية، كانت بنادقهم تفرغ في كل من يواجههم وخناجرهم تمزق الأحشاء دون اعتبار لأحد”، بحسب ما جاء في كتاب “مغاربة في خدمة فرانكو” للكتابة الإسبانية ماريا روسا دي مادارياغا.
من جانبه، أورد جنوحي في مقال نشره بالأخبار المغربية أن “المثير للاهتمام في تجربة الجيش المغربي أنه لم يكن يستفيد من فترة راحة خلال المعارك، وبمجرد ما أن يتم الإعلان عن الاستحواذ على مدينة أو قرية كانت سابقا معقلا للجمهوريين، حتى يتم الإعلان عن تقدم الفيلق المغربي صوب منطقة أخرى وإخضاعها بعد قتال مستمر لأيام، ليغادرها صوب منطقة أخرى فور تسلم وحدة من جيش فرانكو للمكان“.
نجح هذا الفيلق إذن في زرع الرعب في صفوف معارضي فرانكو وتمكنوا لوحدهم في كسب العديد من المعارك.
ماذا بعد الحرب الأهلية؟
عاد معظم قوات الفيلق إلى شمال المغرب واستأنفوا ممارسة حرفهم البسيطة في الجبال وطووا بذلك ذكريات معارك شرسة يتذكرها الإسبان إلى اليوم.
ورغم كل ذلك، هُضمت حقوق هؤلاء، إذ يتحاشى التاريخ الإسباني الحديث عنهم، كما يتحاشى الحديث عن فرانكو نفسه بالنظر إلى الجرائم التي اقترفها خلال فترة حكمه.
وفي مقال نشره موقع “تيل كيل” المغربي عام 2018، تطالب اليوم أرامل هؤلاء الجنود السلطات الإسبانية بصرف معاشاتهم، خصوصا وأن حكومة مدريد وجزر الكناري أصدرتا بين عامي 2011 و2013 قرارات تقضي باستفادة أرامل الفيلق المغربي من معاشات نظير ما قدموه من تضحيات.
المصدر: أصوات مغاربية