علاقتي مع الدار البيضاء قديمة منذ أن كنت طالباً، مارست فيها المهنة وهأنذا ألقي فيها ومنذ سنوات دروس عن هذه الصحافة  التي “تأكل أبناءها“.

مدينة كانت وما تزال، تبدو لي عصية على الوصف والفهم.

في الدار البيضاء أدركت كم هو تافه الفقر، وماذا يعني الثراء.

في الدار البيضاء استوعبت الفرق الكبير بين الدور الفاخرة والفيلات وأكواخ القصدير، المتجاورة احياناً.

في الدار البيضاء، عرفت ماذا تعني “مدينة كبير”، وكيف تتمدد الأحياء السكنية.

في الدار البيضاء شاهدت مراراً كيف يمكن أن تنطلق بعض السيارات في الأزقة الضيقة بسرعة سيارات الفراري.

في الدار البيضاء مقاه باذخة وأخرى عبارة عن سيارة صغيرة .. هي أيضا تبيع المشروبات الساخنة والباردة.

في الدار البيضاء يمكن أن تسمع جميع اللهجات المغربية والكثير من اللغات.. حتى الأمهرية الأثيوبية ولغة الإيدش في المجر.

في الدار البيضاء هناك من يرتدي آخر صيحات الموضة، وفيها من يتدثر في أسماله.

في الدار البيضاء ستجد جميع العملات، إذ هناك من يتعامل بالعملة الرقمية (بتكوين).. ويوجد أيضاً من يتعاملون بالشلن الصومالي.

في الدار البيضاء هناك من يمضي ليلة في أحد الفنادق الفخمة مقابل ستة آلاف درهم.. وهناك من يتمدد فوق عشب حديقة حتى الصباح بصفر درهم.

في الدار البيضاء هناك من يقطن في القطارات.. وكثيرون لا يعرفون أين توجد “الدار البيضاء الميناء” أو” الدار البيضاء المسافرين“.

الدار البيضاء
طلحة جبريل في المدينة القديمة

الدار البيضاء متاهة.

سنوات أنت أيها الرجل وأنت في هذه المدينة.. وعرفت بالكاد “درب عمر“.

تقول درب عمر. تقول الزحام والصياح. تقول أمعاء الدارالبيضاء. تقول الملايين الرائجة في تجارة الجملة. تقول الشاحنات والدكاكين المتراصة.

 تقول ما الذي جاء بك إلى “درب عمر”. أنت لا تبيع ولا تشتري. لكن طوحت بك الأيام إلى هنا. تلقي دروساً عن الصحافة المكتوبة، تقول إنها ستبقى لأنها مكتوبة. تكيل الانتقادات لشبكات ومنصات تبليد صنعت عصراً بأكمله. تتحدث عن “مدرسة كولومبيا” وتلخصها في جملة: “صاحت الملكة قائلة: يا إلهي الأميرة حامل. من الذي فعلها؟”. تتحدث عن مدرسة “واشنطن بوست”، وتبتكر جملة تقول:”انتبه، لدي قصة، سأرويها لكم على مهل، قصة شاب والدته من كنساس في وسط اميركا، نشأ والده راعيا للغنم في غابات كينيا، كان جده طباخا مع البريطانيين، أصبح هذا الشاب سيد البيت الأبيض، يا إلهي، هل حدث ذلك؟ نعم حدث“.

تذهب إلى الدار البيضاء لتتحدث عن الصحافة الإلكترونية والاستقصائية ونظريات كتابة الأخبار والصحافة الدولية والتدوين الصوتي (بودكاست).

تراكم في أذهان طلابك الكثير عن “مهنة المتعة”. هم في أجمل سنوات العمر. وأنت ترقب الحياة في مدها وجزرها.

طلحة جبريل: كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *