همت أن المقاوم الذي عندهم اسمه “حمادي” (بالميم المرققة). وكان معنا قائد 30 بهذا الاسم. رجل من لخميسات بدين وعلى نيته.( سلمة).
*أعدها للنشر: أحمد حمدان
في هذه الحلقات المثيرة جدا، والتي أعدها مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، الناشط الصحراوي الحقوقي والسياسي المبعد من مخيمات تيندوف إلى موريتانيا، يروي والده، المجاهد سلمة سيدي مولود، كيف التحق بأول كتيبة لجيش تحرير الجنوب، قطعت عمق الصحراء بهدف إسقاط القاعدة الجوية الفرنسية في مدينة “أطار” شمال موريتانيا… كانت بقيادة محمد بنحمو المسفيوي، قبل أن يخلفه علال لخميسي، ومعه عْلي المسفيوي نائبا له.
انضم إليهم سلمة سيدي مولود، وسار بهم، في فبراير 1957، دليلا عبر أودية الساقية الحمراء إلى ضواحي مدينة السمارة، ومنها سيكون الانطلاق نحو الهدف، في ظروف طبيعية وعرة، ما بين صحارى قاحلة، وجبال ومغارات وأحجار، وجِمال وبنادق ورشاشات… وفي هذه الطريق، ستلاقي الكتيبة الأهوال، جنود فرنسيون ومجندون موريتانيون وطائرات وقنابلها الجحيمية، إنها “القيامة الآن” (Apocalypse Now)، مع فارق: أن المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا يرويها في فيلم، والمجاهد الصحراوي سلمة سيدي مولود يرويها في معركة حياة أو موت دارت رحاها على أرض الواقع…
جلست مع الرجل القادم وقد انشرح لما عرف بأنني أتحدث الحسانية مثلهم
يوم 23 فبراير 1957.. بينما كنا جلوسا نتبادل الحديث في ظل الخيمة، لاح لنا ضيف قادم. طلب مني مضيفي أن أدخل الخيمة. وأسدل أبوابها علي. وتظاهرت المرأة بخياطة جزء من مقدمة الخيمة، واعترض الرجل الضيف القادم يرحب به.
في حديثهما، سمعت مضيفي يسأل الرجل هل مر بهم بعض “الناس الهاربة” يقصد المجاهدين.
قال له: نعم. جاءنا واحد نعتقد أنه منهم. لم نفهم كلامه. ولم نعلم منه خبرا. لا نعرف ما نيته لحد الساعة. تركنا له إحدى الخيم يقيم فيها لوحده. وأصبح مصيبة بيننا. لا نستطيع تسليمه للنصارى. وإذا وجدوه عندنا سيكون وبالا علينا.
فهمت أن المقاوم الذي عندهم اسمه “حمادي” (بالميم المرققة). وكان معنا قائد 30 بهذا الاسم. رجل من لخميسات بدين وعلى نيته.
كان مضيفي قد أنكر بداية للرجل القادم عليه أن مر بهم احد، ولما أطمأن، رفع باب الخيمة حيث اختبئ وطلب مني الخروج قائلا: هذا فرد منا (يقصد مؤتمن).
جلست مع الرجل القادم. وقد انشرحت أساريره لما عرف بأنني أتحدث الحسانية مثلهم. وقال: بعثك الله إلينا لتخلصنا من مأزق رفيقكم الثقيل الموجود عندنا، فلم نفهم له كلمة حتى الساعة، ولا يبدو أنه مستعجل للمغادرة، ويمنعنا ديننا من إخبار النصارى بأمره.
كل ما استطعنا أن نفعله حتى الساعة هو أننا أخطنا له “دراعة” من لحاف حتى يبدو على هيئة البدو، وبنينا له “بنية” جنب الخيام في انتظار ما يقدره الله له ولنا.
قلت له اطمئن سآتيكم الليلة أو مع طلوع صبح الغد إن شاء الله وسنتدبر أمرنا. ولولا أنه من الخطر التحرك في النهار لذهبت معك الساعة.
غادرنا الرجل بعدما أوضح لي منازل خيامهم وتشكيلتها ومن فيها، واطمئنانه إلى أن مشكلتهم وجدت سبيلها للحل…