شرح المهندس والباحث في علم الفلك، سعيد بنعياد، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، المعايير المتبعة في المغرب لمراقبة وإثبات أهلة الشهور القمرية، ومدى تطابق الرؤية الشرعية والحسابات الفلكية، وتفرد التجربة المغربية في هذا المجال.
1- تجربة المغرب في إثبات الأهلة تعود إلى قرون طويلة، وهي ممارسة اختص بها أهل علم ودراية، إلى أي حد برع المغرب في هذا المجال؟
هذا صحيح إلى حد كبير، علم الأهلة بصفة خاصة وعلم الفلك بصفة عامة، موروث عن الحضارات السابقة، بدءا بحضارات بلاد الرافدين ومصر واليونان، ومرورا بالحضارة العربية الإسلامية في بلاد المشرق، إلا أن المغاربة طوروا هذا العلم وأبدعوا فيه على مختلف المستويات، فتناولوه بالشرح والتحليل، وأعدوا له ما يلزم من جداول ورسوم بيانية، كما برعوا في صناعة آلاته ومعداته من أسطرلابات وبوصلات وساعات ومزاول. وبلغ من تعلقهم به أنهم أدرجوه ضمن العلوم الشرعية التي كانت وما تزال تدرس في معاهد التعليم العتيق، نظرا لارتباطه الوثيق بكثير من الشعائر الدينية.
2- لماذا أولى المغاربة الكثير من الاهتمام لعلم الأهلة؟
اهتمام المغاربة بهذا العلم يرجع بالأساس إلى ارتباط بعض مباحثه ببعض العبادات والشعائر الدينية، كتحديد جهة القبلة ومعرفة أوقات الصلوات ومعرفة مواعيد الكسوف والخسوف وتحديد بداية شهر الصيام ونهايته، إضافة إلى معرفة الأيام البيض من كل شهر ومعرفة موعد وقفة عرفات وتحديد وقت استحقاق الزكاة.
فلا عجب إذن إن ظل هذا العلم في بلادنا يدرس في معاهد التعليم العتيق، التي تشرف عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كجزء لا يتجزأ من العلوم الشرعية.
وأرى أن الوقت قد حان لإعادة النظر في هذه المسألة، بالموازاة مع تدريس هذا العلم في معاهد التعليم العتيق، لا بد أن يدرس أيضا بأساليب حديثة في المدارس العصرية التابعة لوزارة التربية الوطنية، إما بكيفية مستقلة، أو على الأقل بإدراج بعض مباحثه في دروس مادة الفيزياء.
3- يختلف العلماء والفقهاء بين من يتمسك بالرؤية الشرعية بالعين المجردة وبين من ينادي باعتماد الحساب الفلكي، ما هو رأيك في هذا الجدال؟
لا بد من بيان الخلط الذي يقع فيه كثير من الناس عند الحديث عن الحساب الفلكي أو الحديث عن الفلك عموما، هناك علم الفلك (Astronomie) ، الذي يدرس الأجرام السماوية وحركاتها وأوضاعها دراسة علمية محضة، والثاني مجال التنجيم (Astrologie)، الذي يدعي أصحابه القدرة على التنبؤ بالمستقبل.
الحساب الفلكي يقوم على ضوابط علمية تحدد إمكانية رؤية الهلال من عدمها، في يوم معين وفي منطقة محددة باستعمال وسيلة معينة للرؤية. وقد بلغ اليوم من الدقة ما يجعل هذه التوقعات في أقصى درجات الصحة. هذا بالإضافة إلى أن العالم الإسلامي يعتمد معطيات هذا العلم في مجال آخر، هو مجال تحديد أوقات الصلاة، التي تحددها الحصة الشهرية بالساعة والدقيقة.
مبدئيا، لا أرى أي تعارض بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي. فإذا تصدى للرؤية من هو أهل لها، وأجرى الحساب من هو أهل له، ولم يكن قصد أي منهما الشهرة أو تحقيق السبق، فلن يكون بينهما أي تناقض.
4- إلى أي حد يمكن المزاوجة، علميا وفقهيا، بين مراقبة أهلة الأشهر القمرية بالرؤية المجردة والحسابات الفلكية؟
للحساب الفلكي ضوابط علمية تحدد إمكانية الرؤية من عدمها، والرؤية الشرعية معاينة ميدانية لتأكيد الرؤية من عدمها. إذن القسمة العقلية هنا تقتضي 4 حالات، لا خامس لها:
أولا: أن يؤكد الحساب إمكانية الرؤية، وتتحقق هذه الرؤية ميدانيا، فحينئذ لا يكون بينهما أي تعارض.
ثانيا: أن يؤكد الحساب عدم إمكانية الرؤية، ولا تتحقق هذه الرؤية ميدانيا، فحينئذ أيضا لا يكون بينهما أي تعارض.
ثالثا: أن يؤكد الحساب إمكانية الرؤية، ولا تتحقق هذه الرؤية ميدانيا، وغالبا ما يكون ذلك بسبب الأحوال الجوية، حينئذ تعتمد نتيجة الرؤية الشرعية ولا يعد الحساب في هذه الحالة خاطئا، فجل ما في الأمر أنه تحدث عن “إمكانية رؤية” لم تتحقق.
رابعا وأخيرا: أن يؤكد الحساب عدم إمكانية الرؤية، ويأتي مع ذلك من يشهد برؤية الهلال، في اعتقادي تتطلب هذه الحالة فتوى شرعية واضحة من الجهات المخول لها ذلك، علما بأن بعض الفقهاء صرحوا برفض شهادة الشهود إذا كان الحساب ينفي الرؤية نفيا قاطعا. ويمكن تجنب الوقوع في هذه الحالة عبر تدقيق شهادات الشهود، بتوجيه أسئلة اختبارية دقيقة إليهم، من قبيل في أي جهة رأيت الهلال؟ وكيف كان اتجاه فتحته؟ وكم كان ارتفاعه؟ فغالبا ما تؤدي أجوبة هذه الأسئلة إلى كشف ما قد يقع فيه بعض الشهود من أوهام تكون ناتجة عن رؤية جرم سماوي آخر أو سحب رفيعة على شكل هلال أو انعكاس للإضاءة في المدن أو ما شابه ذلك.
إذن المزاوجة بين الرؤية الشرعية والحساب الفلكي ممكنة، أي الاستئناس بالحساب الفلكي واللجوء ميدانيا إلى الرؤية، مع التدقيق في شهادات الشهود.
على الصعيد العملي، لا يمكننا إلا أن نشيد بالتجربة المغربية في هذا المجال، فهي تعتمد الرؤية المحلية بالعين المجردة، على مدار العام الهجري، في أكثر من 200 موقع، بالإضافة إلى مشاركة القوات المسلحة الملكية في ذلك، وهي إجراءات تمكن من الوصول إلى نتائج تتطابق كل التطابق مع نتائج الحساب الفلكي.
5- كيف بدأ اهتمامك بالحساب الفلكي إلى جانب دراسات الاكاديمية؟
بدأ اهتمامي بهذا المجال إبان دراستي العليا بالمدرسة الحسنية للأشغال العمومية بالدار البيضاء، في مرحلة زمنية اتسمت بشيء من الحيرة والانزعاج من الاختلاف الحاصل بين البلدان الإسلامية في تحديد أوائل الشهور القمرية، وشكل هذا الأمر حافزا لي للبحث والتنقيب في مجال لم تكن لي به أي صلة، على الأمل استجلاء هذه الحيرة.
على خلاف ما كنت أعتقد، أطلعني صديق على مقالة علمية تبرز تفرد التجربة المغربية في مراقبة الأهلة، بعد البحث وجدت أن إعلانات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عندنا دقيقة، ولا يمكن الإعلان عن رؤية الهلال إلا إذا تحققت شروط فلكية معينة، في مقدمتها حصول الاقتران بين الشمس والقمر.