من المؤسف جدا أن عددا من المتعلمين والمدرسين والمتحزبين أو”المثقفين الجدد” في المغرب يشنون حملة على خصوم #الدارجة_في_التعليم هذه الأيام وكأنهم يقودون معركة واعية ضد بلادهم، شعروا أم لم يشعروا.
بين هؤلاء من يقدم نفسه على أنه باحث أو مدرس لمادة اللسانيات.
هناك صنفان: “صنف يدافع على الدارجة باسم البيداغوجيا”. والصنف الثاني :يدافع عليها ولا قناعة لديه سوى لأن قسما من خصوم الدارجة هم من الإسلاميين، ولكي يثبت بأنه ضد هؤلاء عليه أن يقف في المكان الآخر”.
ولا أرى حماقة أكبر من هذه، أنتم تدافعون عن أفكار مغلوطة لأنكم ضد الإسلاميين، ونحن ندافع عن قضية تتعلق بالوطن، والوطن كان قبلكم وقبل الإسلاميين وسيظل دائما وترحلون.
ما هي القصة؟
القصة، كلها أن الدارجة هي اللغة الأصلية عند الطفل وعلينا أن نعلمه بها. يعني: بدل أن نضيع الوقت في تعليم الفصحى للطفل ثم نعطيه المعلومات بعد ذلك، نحرق الزمن ونعطيه المعلومات بلغة يعرفها، وهكذا كفى الله المؤمنين القتال.
أولا هذا مضحك. نحن لسنا كوريا الشمالية نصنع الصواريخ ونفاوض ترامب، ولدينا مصانع فيها مشكلة الخلف، ونريد تكوين جيل متعلم بسرعة لكي نخوض حرب النجوم، القضية كلها أرنب وقرد وبابوبي وفي النهاية يكبر الأطفال ويحلمون بالهجرة.
لنكن صرحاء.
اللغة لم تكن أبدا مشكلة ولن تكون.
الطفل لديه قدرات للتعلم بأي لغة كانت.
في المرحلة الاستعمارية كانت فرنسا تذهب إلى الأطفال في البوادي النائية وتدخلهم إلى المدرسة وهم لا يعرفون كلمة واحدة بالفرنسية، لذلك كان الجيل الأول والثاني أكثر تعليما وأكثر كفاءة.
في مرحلة الاستقلال كان التعليم بالعربية الفصحى، وكان الطفل لا يعرف كلمة واحدة بالفصحى، لكن التعليم كان قويا وأعطى نتائج.
أنا درست على يد أحمد بوكماخ في مقرراته العبقرية الفذة وبدأت كتابة الشعر في السنة الأولى إعدادي، وكان معي تلاميذ جهابذة في الشعر والأدب والمسرح، لم نسمع أبدا أن هناك مشكلة في اللغة.
إذن، مبرر الدارجة لضمان جودة التعليم مبرر مهزوز ولا أساس له، يستطيع الطفل التعلم بالدارجة وبالفصحى وبالفرنسية والألمانية.
الطفل هو ما تعطيه وعندما تعطيه يأخذ، ونحن نرفض الدارجة ليس لأسباب بيداغوجية صرف بل لأسباب سياسية واضحة وصريحة ولا تقبل المساومة.
لا توجد دولة في العالم لا تعتز بلغتها، بل العالم كله اليوم يخوض حرب اللغات، لا حرب اللهجات.
فرنسا التي تشجع الدارجة في مستعمراتها السابقة هي نفسها الدولة التي تتصارع مع الإنجليزية عالميا لتبقى في مكان مشرف، هي نفس الدولة التي رفعت قبل سنوات شعار الخصوصية اللغوية.
عندما أرى بعض المدافعين عن الأمازيغية، يدافعون عن الدارجة أعرف ما المقصود تماما.
لكن ما يضحكني أن بعض هؤلاء يستنكر الحديث عن الهوية والخصوصية لأن الأمر يتعلق بالعربية، وعندما يبدأ في الكلام عن الأمازيغية يتحول إلى شخص ينحني أمام صنم إسمه الخصوصية والهوية، رأسان متشاكسان أحدهما ينطح الآخر.
مشكلة الدارجة أيها السادة أن الهدف منها يتجاوز التعليم.
الذين بدأوا هذه اللعبة منذ قرن، ويديرونها كل عام الهدف لديهم أن ينشأ جيل لا يعرف ماضيه.
في ظل الحملات ضد الإسلام وأبي هريرة والأحاديث ووووو، يعرفون أن المعركة لن تنجح من دون قطع الشجرة من الأسفل لكي ينشأ جيل لا تحتاج معه إلى حملة أصلا، لأنه يكون قد فقد الروابط مع تاريخه من خلال قطع وريد اللغة. اللغة ليست وسيلة للتواصل والتعليم فحسب بل أداة لربط الأجيال مع بعضها وضمان استمرارية التاريخ.
هذا التاريخ الذي لا يراد له أن يستمر وأن يتذكره الجميع.
هم يعرفون خطر اللغة العربية لهذا السبب، لأن متعلم اليوم يمكنه أن يتعامل مع نص من العصر الجاهلي بسهولة، بينما في فرنسا اليوم يجد المتعلمون صعوبة كبرى في قراءة Montaigne وهو من القرن 16، ويجد زملاؤهم الإنجليز نفس الصعوبات وأكثر في قراءة شكسبير من القرن 16 أيضا، بينما لا يزال العربي يقرأ خطبة قس بن ساعدة الذي عاش قبل 600 ميلادية ويستطيع إعرابها.
أما قضية الكتب المقدسة فهي أكثر إعضالا.
توجد نسخ من الإنجيل بعدد اللغات واللهجات في العالم كله في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، ولا يستطيع أي متعلم في إيطاليا أن يمسك بيده النسخة الفرنسية أو العكس، أما النسخة اللاتينية التي كانت تُجمع فلا أحد اليوم بقادر عليها.
بينما توجد نسخة واحدة من القرآن بيد الأبيض والأسود والأصفر من القطب الشمالي إلى الفراغ، ومن لا يعرف العربية يلوك القرآن بلسانه خمس مرات في اليوم.
لهذا السبب #اللغة_العربية_مستهدفة #لا_مقدسة. أما الحديث عن جودة التعليم وتقنية التوصيل ووعاء المعلومات المدرسية فهي مجرد عبارات في لعبة أكبر، حلويات نتلهى بها بينما هم يعملون.
# بقلم إدريس الكنبوري مفكر مغربي