أتفق مع بعض الأصدقاء الذين قالوا إن الموقف الذي عبر عنه رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة من قضية المدينتين المغربيتين سبتة ومليلية هو “موقف تاريخي” لحزب الاستقلال..
وهذا كلام صحيح ودقيق أيضا..
لكنه كلام يشوش ربما على التزامات البلد وعلى التزامات السلطان تحديدا..
أما جوهر هذه الالتزامات فهو أن بلدنا تعهد من طرف أعلى سلطة بالبلد بتنقية الأجواء وبإعادة تمتين العلاقات مع إسبانيا على أسس جديدة..
أما المقابل فهو التزام إسبانيا بدعم مشروع الحكم الذاتي حول مغربية الصحراء في رسالة موجهة من طرف رئيس الحكومة الإسبانية إلى الملك محمد السادس شخصيا..
فماذا يعني هذا كله؟
هذا معناه أن كلام النعم ميارة هو ليس شاردا فقط..
بل إن كلام النعم ميارة لم يكن هناك أصلا أي داع إليه..
كما أنه ما كل كلام ينبغي أن يقال سواء كان الداعي إليه تاريخيا أو جغرافيا..
ولو أن الأمر كذلك لما وقع ما وقع في تصريحات الأمين العام السابق لحزب الاستقلال حميد شباط الذي أدى الثمن غاليا عندما عبر عن نفس “الموقف التاريخي” للحزب من موريتانيا..
كما أتفق أيضا بأن كلام ميارة نفسه كان يمكن أن يمر صامتا وبدون أن يثير كل هذا الجدل وربما أثار حتى بعض “الغضب” داخل دوائر عليا لو كان للرجل “تيرموميتر” يقيس به منسوب الحرارة في العلاقات بين البلدين..
غير أني لا أفهم على الإطلاق كيف فات ميارة أن يفهم أن السياسة هي فن التوقيت وهي أيضا فن الكلام وليس “غير جيب أفم وقول”..
ولا أدري أيضا ما إذا كان هذا الذي قاله ميارة، عن ملف سبتة ومليلية، هل هو معلومة من مسؤول رابع في هرم الدولة “يسترق السمع” أم أن الأمر مجرد استنتاج لا كابح له؟..
والحقيقة أن المشكل ليس في تصريحات ميارة الذي جيء به ربما في سياق سياسي خاص وربما حتى عبر “الغلط” إلى منصب أكبر منه ربما..
المشكل ربما يوجد في أولئك الذين “اقترحوا” خبيرا صغيرا في أعمال البستنة رئيسا لمؤسسة دستورية كبيرة بأدوارها ووظائفها ومفروض أن ترسم صورة مشرقة عن البلد..
نعم هذا هو المنتظر من هذه المؤسسة لأننا لا ننتظر منها أن تدخلنا في أزمة ديبلوماسية مفتوحة على كل الاحتمالات مع دولة وجارة “غير تقليدية” في ظرفية حساسة جدا جدا..
بقي فقط أن أقول:
قد نختلف مع الشيخ بيد الله لكن الرجل كان يملأ مقعده على رأسه هذه المؤسسة الدستورية..
كما كان الرجل صاحب أفق سياسي وفكري وكان يعرف متى يتكلم ومتى يصمت ومتى يكتب أيضا..
*مصطفى الفن مدير تحرير جريدة آذار