تأخذكم جريدة le12.ma، طوال شهر رمضان الكريم، في رحلة كشف أسرار حرب دمرت العراق، بناءا على تقرير إستخبارتي تأكد بعد عشرون عاما على سقوط بغداد، بأنه مضلل وعديم المصداقية.
في الملحق الإعلامي الخاص بشهر رمضان، يكتب، يتحدث، يروي، ويصرح، نقلا عن يومية الشرق الأوسط العريقة وغيرها، أكثر من مسؤول رفيع المستوى عربيا وغربيا، حول 20 عاما من عن دمار القوة العسكرية الأولى وقتها في الخليج.
ونواصل الحلقات المفقودة في حقيقة الحرب على العراق، وهذه المرة من خلال شاهد على الحرب، إنه رئيس ديوان مكتب الرئيس المخلوع صدام حسين.
كان محمد مهدي صالح الراوي، الذي شغل منصب وزير التجارة العراقي الأسبق شاهدا على حملة «الصدمة والترويع» التي أعلنها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش وتضمنت قصفاً عنيفاً للمنشآت العراقية، قبل تقدم القوات البرية نحو بغداد.
يتذكر «الجثث المحترقة» التي نتجت عن القصف الأميركي. يتذكر الاجتماعات الأخيرة التي عقدها مع صدّام، قبل انهيار نظامه.
ويتذكر مشاهدته الدبابات الأميركية وهي تدخل العاصمة العراقية. غادر الراوي بغداد بعد سقوطها في 5 أبريل ذهب إلى مسقط رأسه في راوة بمحافظة الأنبار قرب الحدود السورية.
ومن هناك، دخل إلى سوريا نفسها حيث استقبله آصف شوكت، مسؤول الأمن السوري وزوج شقيقة الرئيس بشار الأسد.
كان الراوي يعتقد أنه سيكون موضع ترحيب في سوريا. فهو من مهندسي عودة العلاقات العراقية – السورية، وكان مكلفاً من الرئيس صدّام بملف سوريا.
لم يدم بقاؤه في سوريا طويلاً. أعاده السوريون إلى الحدود العراقية حيث تسلّمه مباشرة الجنود الأميركيون يداً بيد.
فهو المطلوب رقم 35 على قائمة أبرز المطلوبين للولايات المتحدة من أركان حكم صدّام. وُضع في قائمة المطلوبين بملف «أسلحة الدمار الشامل» التي زعم الأميركيون أن صدّام يمتلكها وبرروا بها الغزو، من دون أن يجدوا دليلاً على وجودها.
بعد 9 سنوات في المعتقل، أُفرج عن الراوي بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا حكماً ببراءته.
«الشرق الأوسط» أجرت حواراً مع المسؤول العراقي الأسبق تحدث فيه عن ذكرى الغزو وكيف انتهى به المطاف في أيدي الأميركيين. من توقيع الزميل الصحفي كميل الطويل.
هذا جزئه الثاني تحت عنوان القيامة
هل ودّعكم صدّام في اللقاء الأخير؟ هل شعرتم بأنه سيكون لقاء الوداع؟ يرد الراوي بالقول: «لا أبداً. لم يكن أبداً هذا شعورنا. لم نشعر بأن الأمور ستنتهي إلى ما آل إليه الوضع. ونحن أدّينا واجبنا في وزارة التجارة حتى آخر لحظة في تأمين الغذاء للشعب العراقي منذ أن فُرض الحصار وعلى مدى أكثر من 13 عاماً وساعدنا أيضاً جهات أخرى بقدر ما نستطيع وبقدر ما كُلّفنا به كوزارة تجارة… طبعاً وزارة التجارة لديها أسطول كبير لنقل المواد، ولذلك طلب منا الرئيس الراحل أن ننقل السلاح. فلدينا قرابة 2000 شاحنة من الشاحنات الكبيرة القادرة حتى على نقل الدبابات… وبالفعل، جهزنا وزارة الدفاع بنحو 45 شاحنة لنقل الدبابات قبل أن تبدأ المعارك و2750 ماطوراً بثلاث عجلات».
وعندما يُسأل عن شعوره وهو يرى الدبابات الأميركية تدخل بغداد، يرد الراوي قائلاً: «طبعاً شعوري هو شعور شخص وطني يقاوم احتلالاً غاشماً لبلده من دون سبب… كانت مشاهد الدبابات وهي تدخل بغداد مؤلمة. ولكن لا المجتمع الدولي ولا المجتمع الإقليمي ولا حتى الجامعة العربية قامت بدور جدّي لمنع هذا العدوان. قمة شرم الشيخ أصدرت بياناً يدين أي عدوان على العراق، ولكن لم يكن هناك عمل فعلي لمنع وقوعه».
ويتحدث الراوي عن مشاهداته للقصف الذي استهدف بغداد مع بداية الغزو، فيقول: «كان القصف شديداً جداً وبخاصة على بغداد. طال الدمار الأبنية والمواطنين. كنت أرافق شاحنات الدقيق التي توصّل الدقيق إلى المخابز في مدينة بغداد.
كنت شاهداً في إحدى المرات على طائرات الأباتشي وهي ترشق المواطنين بطلقات نارية يميناً وشمالاً على طريق (الدورة – مسجد أم الطبول- المطار)، فحرقت السيارات المارة والسيارات الواقفة على جانبي الطريق.
استُشهد مدير التعبئة والإحصاء التابع لوزارة التجارة، هو وزوجته. ذهبت بنفسي إلى مكان الحادث في سايلو الدورة. لاحظت الجثث وبعضها كان ما زال يحترق بعد الضربة. بعضهم كانوا ما زالوا أحياء داخل السيارات المحترقة.
وجدت أن الموظف عندي واسمه نصرت هو وزوجته قد تفحما بشكل فوري في سيارتهما. شاهدت منظراً لا إنساني يخالف قواعد الحرب سبّبته الضربات الأميركية على مواطنين يسيرون في الشارع. المشهد لا يزال في ذاكرتي وكيف كان الضحايا يحترقون داخل سياراتهم وهم في النزع الأخير».
ويضيف موضحاً: «كان هذا الحادث بداية معركة المطار، حيث أُعلن قبل يوم أن القوات الأميركية دخلت المطار. ذهبتُ مع وزير النقل أحمد مرتضى، ونقلتْ وسائل الإعلام مشهد صعودنا إلى طائرة جامبو داخل المطار لإثبات عدم صحة الخبر الذي أطلقه الأميركيون. بعدها بيوم دخلت القوات الأميركية المطار وواجهت مقاومة شرسة من فصائل الحرس الجمهوري والحرس الخاص و(فدائيي صدّام) والمتطوعين العرب، وأُبيد معظم القوات المعادية وتقهقر المتبقي خارج المطار، مما دفع القوات الأميركية إلى استخدام أسلحة فتاكة محرّمة أبادت معظم المقاتلين وصهرت الدبابات في هجومها الثاني على المطار، ما مكّنها من احتلاله.
ولقد سبق أن أبلغني مسؤول عربي كبير قبل ثلاثة أشهر من بدء العدوان على العراق بأنه علم من قائد القوات الأميركية الجنرال تومي فرانكس المكلف بقيادة جيش بلاده لاحتلال العراق، بأنه إذا نشبت الحرب فإن القوات الأميركية ستحتلّ العراق بكل الأسلحة المتاحة حتى وإن تطلب الأمر استخدام القنابل النووية الميدانية (التكتيكية).
شدد (المسؤول العربي) على ضرورة الكشف عن أسلحة الدمار إذا كانت موجودة، فقد كان حريصاً على منع وقوع الحرب. فأكدتُ في اللقاء خلوّ العراق من أسلحة الدمار، وتم إيصال هذه المعلومات إلى الرئيس… والذي أُريد التأكيد عليه هنا أن الذي حصل في المعركة الثانية في المطار باستخدام أسلحة محرمة وفتاكة كان جزءاً من خطة غزو العراق المعدّة مسبقاً والتصميم على احتلاله».
عن الشرق الاوسط بتصرف