كم هو ممتع أن تتمشى في أروقة التاريخ،أكثر من ذلك أن تجد التاريخ أمامك صورة وكلمة.

رافقت طلابي في الدار البيضاء لزيارة متحف”مركز التعريف بتراث المدينة  القديمة” الذي أفتتح قبل سنة. كان الغرض من الزيارة ، كتابة استطلاع.

يقع المتحف في المدينة القديمة، طموحات الذين جسدوا الفكرة أن يصبح بمثابة ذاكرة للدارالبيضاء كما كانت قبل أن تزحف عليها”غابات الأسمنت”، ليكون بمثابة “واحة هادئة في قلب المنطقة الأكثر زخماً ورواجاً بالمدينة” كما تقول إحدى اللافتات.

من الجداريات الورقية التي توقفت أمامها وتأملتها ملياً، واحدة تضم صورة محمد الزرقطوني رمز البطولة الذي فضل أن يتجرع السم ولا يفشي بأسرار المقاومة.

هناك أيضاً ملصق الفيلم الأسطوري “كازابلانكا” وكذا شعار فريق الوداد.

اقتبس لكم بعض الجمل التي كتبت على الجدارية:”أحرز فيلم كازابلانكا نجاحاً كبيراً في السينما العالمية، جعل الدار البيضاء ومدينتها القديمة ترتقي إلى مصاف المدن الأسطورية،صور الفيلم في أميركا عام 1942، حرص مخرجه ميكايل كورتيز أن يعكس أجواء المدينة القديمة. والانتقال من الأسطورة إلى الواقع، وفي عام 2004 أفتتح مطعم وحانة “ريكس كافي” في المدينة القديمة”.

تقول الملصقات إن المدينة القديمة استقطبت أعداداً من الأجانب كانوا تجاراً ودبلوماسيين إضافة إلى بعض الأطباء ورجال الدين. 

افتتحت فيها إنجلترا قنصليتها عام 1857 بعدها أسبانيا عام 1861 ثم فرنسا عام 1865 ولاحقاً ألمانيا،إضافة إلى هيئات قنصلية تمثل دول أخرى مثل أميركا وإيطاليا وبلجيكا والبرازيل.

كان معظم الأجانب من الأسبانيين وهي الجالية الرئيسية في المدينة القديمة ياتي بعدهم الفرنسيون والإنجليز ثم الألمان.

قرأت أيضاً أن المدينة أطلق عليها في بداياتها قبل قرون اسم “أنفا” ولا أحد يعرف دلالة هذا الاسم، إذ إن ملصقات المتحف تقول “هناك من يربطه بالكلمة العربية التي تعني الأنف. وهناك من يعتقد أن أصله  يعود إلى كلمة أمازيغية تعني التل. وعلى الرغم من تقلبات التاريخ، ظل اسم “أنفا” متداولاً عبر العصور، ويطلق حالياً على حي يوجد في هضبة المدينة.

سيعرف زوار المتحف أن المدينة دمرت من طرف البرتغال في القرن الخامس عشر إذ اعتبرتها”مدينة قراصنة” فأرسلت قوة تتكون من خمسين باخرة وعشرة آلاف جندي هاجموا أنفا ونهبوا خيراتها ثم دمرت عن آخرها، مما أدى إلى إخلائها من طرف سكانها. 

هكذا يكون التاريخ دائماً عندما يتوعك.

رافقنا محافظ المتحف وليد إسماعيل خلال الزيارة. تحدث لنا كثيراً، كتب طلابي بدورهم الكثير من الملاحظات، والتقطت هواتفهم لا يحصى من الصور. 

أقول باطمئنان إن فكرة “دروس الشارع” حققت نجاحاً. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *