le12.ma

 

تنظم الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، من 9 إلى 12 يوليوز المقبل في وجدة، الدورة الأولى لجامعة الشباب الإفريقي بالمغرب، بشعار
شباب إفريقيا: رافعة للشراكة جنوب -جنوب وتعزيز لقيم العيش المشترك”.

لماذا الهجرة؟

جاء اختيار موضوع الهجرة، بحسب بلاغ لوزارة بنعتيق، “بحثا عن آفاق واعدة واكتشاف ثقافات وحضارات جديدة، بما هو سلوك متجذر في عمق تاريخنا البشري، تمليه الحاجة إلى التعلم والتغيير والتطور المستمر الذي ينشده كل إنسان”. فالهجرة، بحسب المصدر ذاته، ليست نتيجة لعصر العولمة الحالي، بقدْر ما هي تعبير أكثر دقة على القدرة البشرية في استثمار فرص جديدة والتكيف مع سياقا معاكسة تماما للعادات والمرجعية الثقافية للمهاجرين. وتبعا لذلك، تعدّ الهجرة عاملا محوريا في وجود وتعايش الحضارات الإنسانية وتعزيز التقارب بين شعوب العالم.
وقد أدت العولمة، على مدار الثلاثين سنة الماضية، إلى التسارع في تبادل السلع والخدمات وتسريع حركة التنقلات البشربة، إذ أضحت الظاهرة اليوم تؤثر في واحد من كل ستة أشخاص، باعتباره مهاجرا داخليا أو دوليا.

 

العولمة والهجرة

 

بفعل التغيّرات العميقة في نماذج التنقلات البشرية، لم تعد الهجرة تقتصر على عدد محدد من البلدان، في حركية من الجنوب نحو الشمال أو من البلدان النامية إلى الدول المتقدمة.. بل إن الهجرة انتقلت إلى مستوى مطبوع بعولمة التدفقات والتبادلات وتأثرت بها كل البلدان. كما كشفت واقعا معقدا أدى فيه الاختراق المتزايد للمجتمعات إلى تلاقح مُثرٍ، وإن كان قد أسهم، كذلك، في ضعف التقارب الثقافي وخلق “أزمة هوية” ذهبت أحيانا إلى حدّ رفض الآخر.

كما أسهم اعتماد سياسات هجرة ذات رؤية أمنية صرفة في افتقارها إلى البعد الإنساني والقيم الإيجابية، إذ تم بالتدريج تشديد مراقبة الحدود وتفشي الأحكام الجاهزة حول المهاجرين، الذين تزايدت تدفقاتهم، رغم كل ذلك إلى أن تجاوز أعداد المهاجرين 258 مليون مهاجر دولي في 2017.

 

المغرب المتعدد

 

تعكس التحولات التي يواجهها المغرب اليوم في مجال الهجرة كس تاريخه الطويل من الانفتاح والتسامح واحترام التنوع بفضل موقعه الجغرافي والإستراتيجي. كما أن المغرب بنفسه يتشكل من “فسيفساء” من الثقافات واللغات والشعوب والأديان. وقد استحضره دستور 2011، هذا التنوع في ديباجته، مشددا على رغبة المغرب في “صيانة تلاحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، الأمازيغية والصحراوية الحسّانية والعربية الإسلامية، الغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. وشدد دستور 2011 كذلك على “تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.

من هذا المنطلق، وتنفيذا للتوجيهات السامية لملك محمد السادس،اعتمد المغرب، في 2013، سياسة جديدة في مجال الهجرة، أساسها الاهتمام بحقوق المهاجرين، بما يتماشى مع دستور 2011 ويستجيب للالتزامات الدولية لحقوق الإنسان. ويجسّد هذا الالتزام بتبني مقاربة إنسانية للهجرة عزمَ المغرب على تعزيز أسسه الديمقراطية ورؤيته للمجتمع الحديث. كما يعبر عن موقفه الواضح والحازم من قضية الهجرة، متحمّلا مسؤوليته في التدبير المشترك والمتعدد الأطراف لها. وقد أشار إلى ذلك الملك محمد السادس في خطابه يوم 20 غشت 2016 بمناسبة الذكرى الـ63 لثورة الملك والشعب، بقوله “إن المغرب يعتز بما يقوم به في مجال استقبال وإدماج المهاجرين”.

ويميز هذه السياسةَ بعدٰها الإفريقي بالدرجة الأولى وتزامنها مع عودة المغرب إلى جذوره الإفريقية العميقة، كما تشهد على تمسكه القوي بانتمائه إلى هذه القارة واهتمامه الصادق بمستقبلها وتطورها.

 

تعزيز التنوع

 

مكّنت السياسة الجديدة في مجال الهجرة من اتخاذ مجموعة من القرارات والتدابير الملموسة لتفعيل إدماج المهاجرين من خلال تسوية وضعيتهم الإدارية والسماح لهم بالاستفادة من النظام الصحي الوطني ومن التعليم والتكوين المهني والسكن والتشغيل بالشروط ذاتها التي يستفيد بها المغاربة، في أفق إرساء أسس مجتمع متعدد الثقافات تكون فيه الاختلافات مصدر غنى، بدل أن تتسبب في اصطدامات أو تفاوتات في الحقوق والواجبات.

وتولي هذه السياسة اهتماما خاصا بتعزيز التنوع الثقافي والعيش المشترك والتصدي لمختلف الأحكام المسبقة ومكافحة كل أشكال الكره والتمييز، من خلال تكثيف البرامج والمشاريع التي تعزز التلاحم الاجتماعي والثقافي بشراكة مع المجتمع المدني والجامعات.

 

الشباب الإفريقي

 

في هذا السياق، تنظم الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة هذا الحدث المهمّ، الذي يعد أول جامعة للشباب الإفريقي بالمغرب، من 9 إلى 12 يوليوز 2019 بمدينة وجدة، بشراكة مع جامعة محمد الأول بوجدة، تماشيا مع التقليد المتبع في التنظيم السنوي للجامعات المخصصة لشباب مغاربة العالم.

وتجمع هذه الجامعة، المنظمة تحت شعار “شباب إفريقيا: رافعة للشراكة جنوب -جنوب وتعزيز لقيم العيش المشترك”، الطلبة الأجانب من دول جنوب الصحراء ونظراءهم المغاربة، لتشجيع وتعزيز التبادل والاكتشاف والتعلم بين المشاركين.

وينسجم اختيار موضوع هذه الجامعة، بحسب البلاغ ذاته، تماما مع الدينامية الملكية الهادفة إلى تعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، والذي تجسّده الزيارات الملكية المتكررة لبلدان إفريقية لوضع إطار إستراتيجي دائم للتنمية المشتركة وتعزيز التعاون العلمي والتقني مع دول إفريقيا جنوب الصحراء. وقد مكّن هذا التعاون المغرب من أن يصبح وجهة رئيسية لطلبة غالبية هذه البلدان. فالرؤية الملكية لإفريقيا، التي تتجاوز البحث عن التعاون الاقتصادي، رغم الأهمية التي يفترضها، تضع في صلب اهتماماتها التنميةَ البشرية والتقارب الثقافي.

 

إجراءات ملموسة

 

سيرتفع عدد سكان إفريقيا، بحسب توقّعات الأمم المتحدة، إلى 2.4 مليار في 2050، ما سيمثل ربع سكان العالم. وتبعا لذلك، فإن أكثر من نصف هؤلاء السكان، ما يمثل 70% تقريبا سيكونون من الشباب تحت سن 35 سنة. وتُبرز هذه التوقعات أهميةَ الشباب الإفريقي كقاطرة حقيقية لتنمية إفريقيا وتعزيز علاقات التعاون بين بلدانها.

قد اتخذ المغرب في هذا الصدد العديد من الإجراءات الملموسة، مثل استقبال الطلبة والأطر الأفارقة في الجامعات والدورات التكوينية، وتسوية الوضعية الإدارية للمهاجرين، وأغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وتمويل المشاريع ذات الطابع السوسيو -اقتصادي في بعض بلدان إفريقيا، إضافة إلى تكوين الأئمة من خلال مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة.

 

ترسيخ العيش المشترك

 

ستستقبل “الجامعة الأولى للشباب الإفريقي بالمغرب” 100 من الطلبة الأجانب من إفريقيا جنوب الصحراء ونظراءهم المغاربة لمناقشة المواضيع المتعلقة بالتنوع الثقافي والعيش المشترك ولتعاون بين دول الجنوب والتنمية المشتركة.

وتمثل إقامة هذه الجامعة فرصة لتنظيم أنشطة سياحية ورياضية وثقافية في وجدة ونواحيها، لخلق الانسجام الجماعي وظروف مريح يساعد على التبادل في أجواء ملائمة.

وستكون هذه الجامعة، أيضا، فرصة لتسليط الضوء على مكانة الشباب الإفريقي في تنمية بلدانهم والقارة الإفريقية وكذا للإسهام في ترسيخ قيم العيش المشترك والانفتاح على الآخر والتسامح لدى كل المشاركين، وكذا مساعدة هؤلاء الطلبة الأجانب على أن يصبحوا “سفراء” للمغرب وثقافته في المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *