التقيت خلال جولة في منطقة كليز بوسط مراكش، كثيرين، لكن ظني أن هناك ما يكتب عن أربعة أشخاص. 

الأول شاب يدعى زين العابدين، يمتلك متجراً لبيع النظارات وتركيب العدسات. طلبت منه إصلاح إطار نظارتي،أنجز المطلوب بسرعة. استفسرته عن التكلفة، إجابة مبتسماً: مجاناً. خلت أنه يمزح، لكنه كرر الكلمة أكثر من مرة,

شكرته كثيراً، قلت له أنت تجسد المروءة والكرم المغربي.عقب قائلاً بأن والدته استاذة لغة عربية وهي تقرأ بعض كتاباتي.

الثانية نادلة في مقهى متخصص في المشروبات الإيطالية الساخنة، طلبت منها قدح شاي أسود، اعتذرت بلباقة بانه لا يوجد، اقترح عليها صاحب المقهى وهو شاب لطيف إعداد مشروب آخر، اجتهدت وأعدت المطلوب، قدمته لي مع إبتسامة .

 سألتني: من أين أنت؟. 

أجبت  تفصيلاً. 

 لاحظت أن العينين الواسعتين تتوقدان بحب الاستطلاع. بدت جميلة بوجه آخر بل وعذبة عذوبة واضحة، وهي تصغي بإهتمام للتفاصيل. 

 الثالث صاحب دكان (حانوت). دلفت إلى حانوته لشراء زجاجة مياه. قال مخاطباً ثلاثة شبان كانوا معه في المتجر: هذا هو فلان . ثم راح يغدق علي الكثير من عبارات الإطراء .

سألني ماذا تفعل حاليا؟ 

أجبت بكلمة واحدة فقط: أكتب. 

كم رائعة هذه الكتابة التي تجعل الناس تحبك.

عندما اردت تسديد ثمن القنينة البلاستيكية، قال هي هدية لك. هذه المرة اصريت على التسديد.

الرابعة شابة تدعى كوثر تعمل في مطعم.

 طرحت علي السؤال إياه : هل أنت فلان ؟ قلت مازحاً: يبدو.

طرقت الموضوع مباشرة :حلمي منذ الصغر دراسة الصحافة..هل يمكنني تحقيق هذا الحلم . ثم زادت قائلة :أرجوك ساعدني لتحقيق حلمي . وعدتها خيراً. بدت البهجة على وجهها، وزادت وضوحاً وهي تردد عبارات الشكر.

أليس رائعاً أن تكون مهنتنا هذه حلماً.

مصادفات مراكش جعلتني أعتقد أن دنيا الناس هذه تنقسم إلى ثلاثة عوالم .

عالم يقرأ ويدرك أنه يقرأ ليراكم المعرفة. عالم لا يقرأ ولا يعرف لماذا. ثم عالم ظلمته الدنيا لأنه لم يدخل مدرسة.

تجولت في شوارع المدينة حتى منتصف الليل، عندما تنحسر السحب ، تبدو النجوم متلألئة ، وضوء القمر الجميل ينعكس على الشوارع والساحات .

يزور  مراكش في كل يوم زوار جدد، أناس مختلفون،أما المدمنون على المدينة فلا يبارحونها. إذ هي جذابة ومضيئة.

لا أظن أحداً ينسى الأمكنة التي يزورها في المدينة القرمزية، لم أشعر قط بالوقت، الساعات تمضي سراعاً. كأن الزمن نهر سرمدي.

إذا انقضى اليوم، تشعر في دواخلك بأنك تدثرت متعة وبهجة. 

تقول مراكش، نعم مراكش التي تروي ظمأ الظمأ.
ترى ما سر مراكش؟

طلحة جبريل: كاتب صحفي