عندما كانت هناك صحف ومجلات بورقها الصقيل تصدر من لندن وباريس، قبل أن تندثر، اهتمت تلك الصحف والمجلات بالمغرب.

لم يقتصر الاهتمام على مجال معين بل شمل جميع المجالات مع التركيز على الحدث السياسي والمشهد الثقافي.

 المؤكد أن المغرب على جميع المستويات اهتم كذلك بتلك المجلات. كان معظم الذين عملوا في” صحافة المهجر” من اللبنانيين. إذ المدرسة اللبنانية كانت هي السائدة آنذاك .

من بين المجلات التي اهتمت بالمغرب مجلتان :”الوطن العربي” و”المستقبل”. اهتمت “الوطن العربي” بالجانب السياسي في حين ركزت “المستقبل” على الجانب الثقافي .

 اندثرت المجلتان، لكن فوجئت بوجود عدد قديم من “الوطن العربي” يباع في مكتبة بوسط الرباط، وتاريخه السادسة والعشرين من يوليو عام 2002، اقتنيت العدد وعندما تصفحته عادت بي الذاكرة إلى أيام رواج مجلات وصحف المهجر .

 كانت “الوطن العربي”أول مجلة تصدر في المهجر تجري حواراً مع العاهل المغربي الملك الحسن الثاني ـ رحمه الله ـ.

عقب نشر الحوار في أواخر السبعينيات، حظيت المجلة بعناية خاصة داخل الأوساط السياسية المغربية.

 بيد أنها ستفقد هذا الرصيد عندما نشرت في أواسط الثمانينيات ما أسمته “وقائع ما جرى خلال لقاء العاهل المغربي مع شمعون بيريز في افران”. أثار ذلك المقال استياء الملك الحسن الثاني وقرر مقاضاة مدير المجلة وليد أبو ظهر والمراسل الذي يفترض أنه “كتب الوقائع” ويدعى “مرسي النويشي” وكان مراسلاً للمجلة في القاهرة .

كان من الواضح أن المادة مفبركة. إذ كيف يمكن لمراسل من القاهرة أن يكتب” الوقائع الكاملة “لمحادثات جرت على انفراد في افران.

ركزت مجلة “المستقبل” على تقديم الأدباء المغاربة للمشرق. أتذكر أن محررها الثقافي بول شاؤول اعتاد على زيارة المغرب، وفي كل مرة يعود إلى باريس حيث كانت تصدر المجلة، بسلسلة حوارات مع مجموعة من الأدباء المغاربة، ثم أصدر تلك الحوارات في كتاب.

انتقد كثيرون ذلك الكتاب على أساس أنه “سلق بيض”. أي أنه لم يكن سوى عملية تجميع متعسفة لحوارات سبق نشرها.

أقول الآن إن ما بادرت إليه “المستقبل” كان في كثير من جوانبه إيجابياً، إذ جعل الأسماء المغربية وأعمال الكثيرين معروفة في المشرق.

 الآن جاء الإنترنيت والإعلام الجديد والشبكات الاجتماعية ليطوي الزمن والمسافات، وفي ظن بعض الناس أنه لم تعد هناك حاجة لينتقل محرر من باريس أو لندن إلى الرباط لإجراء حوار مع قصاص أو شاعر أو مسرحي أو تشكيلي.

أقول جازماً أن العمل الميداني سيبقى هو أساس العمل الصحافي دائماً وأبداً.

*طلحة جبريل / كاتب صحفي