لم تكن قفزة اللاعب الطائر يوسف النصيري على شاكلة أبطال الفري فاير مجرد قفزة في الهواء، بل كانت قفزة نقلت المغرب بكامله نحو درجة أعلى في سلم المجد. إنها قفزة نحو المستقبل.
فماهو المغرب بصدده اليوم هو إعادة كتابة تاريخ كرة القدم، فبإقصائه لمنتخب البرتغال وتأهله لنصف النهاية يكون المنتخب المغربي قد قلب جميع مسلمات كرة القدم ووضع قواعد لعب جديدة ستقلب يقينيات كرة القدم المسطرة منذ انطلاق هذه اللعبة.
الانتصارات في مباريات كرة القدم لديها رمزيتها التاريخية، وسواء أحببنا أو كرهنا فنحن نستحضر في خصومنا فوق الملاعب صورة الخصوم التاريخيين، خصوصا أولئك الذين يلعبون تحت رايات دول كان لدينا معها ماض أليم.
وإلى حدود اليوم هزم المنتخب الوطني منتخبا دولتين كان لدينا معهما ماضي استعماري هما إسبانيا والبرتغال.
وإذا كان الإسبان لازالوا يحتفظون للمغرب بذكريات مخيفة عن حرب أنوال التي فقد فيها الجيش الإسباني في جبال الريف 13 ألف جنديا، فإن البرتغاليين لازالوا يخشون المغرب إلى اليوم بسبب معركة الملوك الثلاثة التي فقدوا فيها ملكهم وجيشهم بالكامل وأيضا سيادتهم بحيث ضمت إسبانيا البرتغال إلى أراضيها.
وإذا كان مقدرا أن يلعب المغرب ضد فرنسا وأن يرسل منتخبها إلى البيت كما صنع مع آخرين قبلها فسنكون قد
صفينا الحساب مع تاريخ مثقل بالغبن والدونية مع مستعمرينا السابقين.
لهذا أعتقد أن الانتصار على منتخبات هذه الدول الثلاثة التي استعمرت المغرب على مراحل تاريخية متفاوتة سيشفينا نهائيا من عقدة المستعمر السابق وسيمنحنا الثقة والقوة اللازمة للوثوق بقدر المغرب الذي لا يمكن أن يكون سوى قدر دولة عظيمة كما كانت دائما عبر التاريخ.
وعلى مستوى آخر خضع ويخضع المغاربة طوال شهر تقريبا لأكبر عملية علاج نفسي جماعي thérapie de groupe بفضل المعجزات الكروية الذي يحققها المنتخب في مونديال قطر.
إلى حدود الأمس كان المغاربة يوجدون على ذيل قائمة الشعوب السعيدة، واليوم يمكن أن نقول أن سعادة المغاربة لا يمكن قياسها بفضل منتخبه الذي أعاد إليه ذلك الإحساس المفتقد بالرغبة في الفرح والاعتزاز بالهوية المغربية التي تشكل الأسرة ورضات الوالدين جوهرها.
لا نكشف سرا إذا قلنا أنه كان هناك احتقان كبير في المغرب، مثل كل بلدان العالم، راجع بالأساس إلى تداعيات أزمة كوفيد وإلى التضخم الذي تسبب في ارتفاع الأسعار ومعها تكاليف الحياة، والحمد لله الذي جعل هذا الاحتقان يتم تصريفه على شكل أمواج بشرية في الشوارع تحمل الرايات وتهتف فرحا بالنشيد الوطني.
إننا نرى ونشعر بأن انتصارات المنتخب الوطني رفعت مؤشر الثقة في النفس لدى المغاربة، ورفعت منسوب الوطنية والاعتزاز بالانتماء للمغرب، كما عززت الشعور بالفخر والشرف والاعتزاز بالنفس. وهذه كلها مشاعر لا يتم استدرارها عادة لدى شعب سوى بالانتصار في حرب.
علينا اليوم جميعا أن نعي أن المستوى الذي وصل إليه الشعور والحس الوطني عال جدا، وعلينا أن نستثمره جيدا حتى لا يتلاشى، وأفضل طريقة للاستفادة من هذا المنسوب العالي من الحس الوطني هو تعميم القيم التي رسخها المنتخب في كل مبارياته، أقصد المثابرة والتواضع والعمل الجاد والنية الصادقة والثقة في المغاربة، في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
لقد رسم المنتخب الوطني خط السير وأعطى وصفة النجاح ولم يبق لنا سوى أن نعقد النية وأن ننطلق.
رشيد نيني